الأربعاء، 26 مايو 2010

فـنــــــار بلطيـــــــــــــــم

بداية كل الصور المعروضة فى الموضوع مهداة

من عاشق البرلس الأستاذ حمدى أبو زيد

تعد مدينة مصيف بلطيم من أفضل المنتجعات السياحية علي شاطيء البحر المتوسط كمنتجع صحي سياحي ,
ومن أهم معالم المصيف فنار بلطيم ,
وهو الفنار الوحيد الباقي علي شاطيء البحر المتوسط من خمسة فنارات أنشأها الخديو إسماعيل عام 1869م ضمن تطويره للبحرية المصرية ،
حيث أنه تولي الحكم والبحرية المصرية في حالة سيئة من التأخير فقام بتجديد أسطول السفن وأحيا مصانع ترسانة الاسكندرية وأنشأ عدة فنارات علي ساحل البحر المتوسط والبحر الأحمر لإرشاد السفن وتسهل الملاحة البحرية فعلي البحر المتوسط أنشأ فنار البرلس وفنار رشيد عام 1868م وفنار دمياط تجاه رأس البر وفنار بورسعيد عام 1869م وفنار العجمي عام 1873م وفنار حاجز الميناء عام1967م وفنار القباري عام 1877م ،


ولم يتبق من كل هذه الفنارات سوي فنار البرلس وقد انهارت الأخري إما بفعل الزلازل أو العوامل الجوية وجميعها تم إنشاؤه بخبرات انجليزية فرنسية وبأيد مصرية.
ولا ترد هيئة السلامة البحرية التابعة لوزارة النقل علي خطابات المجلس الأعلي للآثار لتسليم حرم الفنار لإقامة حديقة متحفية بداخله،
مما أدى إلى تعطل مشروع ترميم الفنار الذي وصلت حالته إلي الحضيض نتيجة تأثره الشديد بالعوامل الجوية لوقوعه علي بعد 150 مترا من شاطيء البحر ,
حيث تدخل رأس بلطيم حوالي 35 كيلو مترا داخل عمق مياه البحر علي شكل مثلث , مما أدى إلى انتشار الصدأ علي جسم الفنار من الداخل والخارج وهو مايهدد بانهياره.

وقد كان الفنار عند إنشائه يبعد واحد ميل تقريبا عن الشاطيء وبعد إنشاء السد العالي بدأ تآكل الشواطيء إلي أن أصبحت المسافة لاتزيد علي 150 مترا ويبلغ طوله 55 مترا علي شكل اسطواني يرتكز علي 3 قوائم من الرصاص زنتها 40 طن تشكل مثلثا مثبتا علي يايات حديدية 'سوست' لتوفير المرونة اللازمة للفنار وميله مع الرياح نظرا لارتفاعه الشاهق وأيضا لتخفيف الصدمات والزلازل، فتساعده علي المرونة والميل لمسافة 12سم ,


ويوجد في قمة البرج مجموعة من العدسات لعكس الضوء لارشاد السفن ليلا،
و كانت غرفة الإضاءة تعمل بالكيروسين ويصل مدى إشارتها إلي بعد 17 ميلا بحريا،
وظل يعمل لمدة 120 عاما كانت تجري خلالها صيانة دورية كل عام لترميم البرج وتجديده وتوقف عن العمل إبان حرب 1967 فور غلق قناة السويس، وقد أنشئت الاستراحات الملحقة بالفنار عام 1930 لإقامة أطقم العمل الإداري والفني الخاصة بالفنار.
وسجلته دائرة المعرف البريطانية في 4 صفحات كاملة نظرا لدقته وصنعة من قبل المهندسين الفرنسينوالإنجليز الذي صمموه.
ولقد تم أخيرا ضم فنار البرلس وملحقاته البالغة 18 غرفة إلي هيئة الآثار

وقد أقيم فنار جديد يؤدى عمل الفنار القديم الذى بقى كأثر .


وأفادت منطقة وسط الدلتا إلي أنه سيتم الحفاظ علي الفنار وإعادة ترميمة وإقامة حرم حولة لمسافة 50م وحديقة متحفية ونافورة علي الطراز الإسلامي وتمهيد الطريق المؤدي إليه .

وتثار الأسئلة حول الإهمال الذي تعانيه طابية الفنار المعروفة عند الأهالي بطابية عرابي حيث طمرت مدافعها في رمال الشاطيء في العراء، ووجود دانة مازالت داخل فوهة أحد المدافع تمثل خطرا جسيما لقدمها واحتمال انفجارها في أي وقت مما يهدد حياة الأطفال الذين يحرصون في أوقات كثيرة علي الصعود إلي هذا التل والجلوس فوق المدافع الملقاة علي الأرض وهي مسئولية المجلس الأعلي للآثار .
ويؤكد الأستاذ سيد حطيبة مدير الآثار الإسلامية والقبطية ببلطيم أن المجلس الأعلي للآثار أعد مشروعا لترميم فنار البرلس الأثري وإنشاء حديقة متحفية ملحقة به جاهزة للتنفيذ وذلك بعد أن تستجيب هيئة الملاحة البحرية بتسليمنا أرض الحرم المحيطة بالفنار لتنفيذ المشروع بشكل متكامل .

الجمعة، 14 مايو 2010

تجربتى مع الخط العربى


كم شعرت بالخجل كلما ذكرت أمامى أنواع الخطوط وأجد نفسى لا أستطيع أن أميز بينها , وكم أبهرنى جمال الخط العربى بتكويناته الرائعة.

كل هذا دفعنى دفعاً لألتحق بمدرسة الخط العربى ببلطيم فى أكتوبر 2000م , بالإضافة إلى أنى كنت على علاقة وثيقة بالأستاذ سامى الدوانسى وهو يعمل بالتدريس فى هذه المدرسة , فشجعنى على هذه الخطوة , وبعد أن التحقت بالمدرسة وجدت مجموعة رائعة من المدرسين أخص منهم الأستاذ محمد مهيا وهو متخصص فى خط الثلث , والأستاذ محمود البطاط المتخصص فى خط الفارسى , والأستاذ معروف المتخصص فى خط النسخ , ومن هنا انطلقت فى عالم الخط وأحببت الموضوع حتى صار جزءاً منى , فأحببت القلم البوص ودواية الحبر وأوراق الكتابة , وحضرت فى المدرسة لمدة شهر فقط , وصرت أرفع مستواى فى المنزل نظرا لارتباطى بالعمل كمدرس , وأصبحت رؤيتى وأمامى أوراق الكتابة والأحبار والبوص من المناظر المألوفة فى البيت طوال أربع سنوات حتى تخرجت عام 2004م ,
وكان امتحان العام الأخير فى مدينة الحامول , وكنت وقتها فى العامرية جنوب الإسكندرية للقيام بأعمال ملاحظة امتحان الثانوية العامة , ويوميا أحضر من العامرية إلى الإسكندرية ثم إلى بلطيم ثم إلى الحامول لأتمكن من آداء الامتحان فى الساعة الرابعة بعد الظهر , وكان يرافقنى فى رجلة العذاب هذه زميلى محمد القمرى , وكنا كل يوم ندخل اللجنة فى الحامول متأخرين ,
فننادى على العامل ليفتح لنا جنزير البوابة , ونصعد نكتب الجملة المطلوبة مرة واحدة من إجهادنا وتعبنا , ثم ننزل قبل باقى اللجنة فننادى على العامل ليفتح لنا جنزير البوابة , فنعود إلى بلطيم , فننام وعند الفجر نذهب إلى الإسكندرية ثم العامرية وهكذا دواليك ..... .
ثم تكلل مجهودنا بالنجاح , ثم عملت مدرساً للخط العربى بالمدرسة , ولا أستطيع أن أصف لكم هو عمل رائع وممتع .

الجمعة، 7 مايو 2010

الـــمــقــهــى


شكلت المقاهي علامة بارزة فى المجتمع المصرى , ومفرد مهم من مفردات حياة المصريين , فالمقهى فى مصر أشبه بجامعة شعبية يتحدد مستواها بمستوى مرتاديها ومستوى الخدمة التى تقدمها , وتلونت ما بين الراقية وبين الشعبية .
والمقهى عند البعض ملاذ للهروب من هموم الحياة ومشكلات الأسرة والعمل , وعند البعض مكان تجمع الأصحاب ومتنفس للرجال يخرجون فيه مكنونات أنفسهم ومناقشة تجارب حياتهم , وعند البعض تعتبر جلسة ثقافية وفنية , وعند البعض أشبه بمنتدى سياسى , فتشكل هذه الأحاديث فى مجملها أرشيفاً حيّاً لتاريخ الشعب , فقد فرضت المقاهي نفسها وبقوة على الساحة الاجتماعية , وصار الكل يرتادها الكبير والصغير الغني والفقير العامل والعاطل , وتصدرت المقاهي أولويات المتقاعدين الذين وجدوا في الجلوس على طاولات المقاهي الصغيرة للعب الورق والطاولة أو الدومينو ملاذا جديدا لقضاء ساعات اليوم فينسون هموم الحياة خاصة وأن الشوارع التي تحتضن المقاهي تكون حية بالأصوات التي تتعالى جراء تجمعاتهم اليومية. وإيقاع الحياة السريع والضغوطات اليومية أصبحا يؤثران بشكل سلبي على العلاقات الاجتماعية , فتسارع عجلة الحياة وغلاء الأسعار وتغير الأوضاع ضيق الخناق على الناس فوجدوا متنفساً لحياتهم فى المقهى بعيدا عن أجواء المنازل ، والمقهى هو نافذتهم على الحياة يناقشون من خلالها الهموم ومشاكل الأبناء في إطار اجتماعي .والبداية كانت لقضاء وقت الفراغ ولكنها أصبحت مع الأيام عادة لا يمكننا أن نستغني عنها، فالتجمع في أحد بيوت الرفاق ليس بمتعة الجلوس على الطريق حتى ولو كانت إمكانيات المقهى بسيطة حيث مشاهدة العالم الخارجي وتبادل أخبار الأهل والأصدقاء .
والمقاهي القديمة تقتصر على بعض الأفراد الذين تتكرر وجوههم كل يوم وأغلبهم من الأهل والأصحاب , وتسمح بأخذ الراحة في الكلام والتعليق بصوت مسموع بعيدا عن هدوء المقاهي الحديثة التي تقتصر في بعض الأحيان على قراءة الصحف وشرب القهوة.

وأما عن تاريخ المقاهى فقد عرفت استانبول المقاهي منذ القرن الخامس عشر، ثم استلهمها الغرب من الأتراك، فانتقلت إلى البندقية ثم باريس ولندن ثم روما .
فالأوروبيون عرفوا
المقهى لأول مرة بعد عام 1683م عندما انسحب الجيش التركي وأنهى حصار فيينا عاصمة النمسا ، وترك خلفه كميات كبيرة من القهوة التي كان يستخدمها الجيش التركي، وقد بقي في النمسا أحد الجواسيس الذي كان يعمل للأوروبيين بين الترك، ولما خيّروا الجاسوس في نوع المكافأة التي يطلبها لإنقاذهم من عدوهم اختار القهوة وأعطوه معها مبنى كبيرا كان هو أول مقهى في النمسا وأطلق عليه “بلو كيف” أى الزجاجة الزرقاء.
ويقال إن أول مقهى أقيم في ميناء فينيسيا الإيطالي عام 1645م ، ثم بدأت بالانتشار في جميع أنحاء أوروبا. وفي القرن التاسع عشر بدأت المقاهي بالانتشار بفيينا أو ما يسمى ببيوت القهوة ( أو قصر القهوة ) التي صارت تقدم لعامة الناس بعد ان كانت مقتصرة على أفراد الطبقة العليا , ومعظم هذه المقاهي عبارة عن مبان فخمة او قصور حقيقية بعضها مخصص للأدباء والآخر للموسيقيين وآخر لعلية القوم . وأشهر مقاهي فيينا مقهى لاندمان الذى عرف إبان أيام الحرب الباردة وكان ملتقى الجاسوسية بين المعسكرين وحاليا أصبح المقر المفضل للسياسيين والصحافيين لموقعه الممتاز قرب مقار الأحزاب لذلك يعتبر من انسب الاماكن لعقد المؤتمرات الصحفية , ويعود افتتاح هذا المقهى لعام 1873 م.

وانتشرت بعدها المقاهي في شوارع المدن الأوربية وكثيرا ما اضطرت السلطات الأوربية إلى إغلاق تلك المقاهي لمنع التجمعات والنقاشات الحادة التي كانت تدور فيها والتي كثيرا ما تنتهي بمظاهرات صاخبة ضد الدولة ورأت السلطات في تلك المقاهي أوكارا لتدبير المؤامرات والنشاطات المشبوهة. وقد أراد شارل الثاني أن يغلق المقاهي في إنجلترا لأنها "مصدر للمشاغبات السياسية ومركز لتحريض الشعب ضد الحكومة ومنبع للحركات المخلة بالأمن".

ولقد تسببت المقاهي التي لم تكن قاصرة على شرب القهوة بإزعاج الأمراء والملوك الذين نظروا إليها في البداية على أنها أوكار السفلة والرعاع على إنفاق أموالهم وإضاعتها، فأمر ملك بافاريا بإغلاقها، وفي باريس كانت المقاهي تجمع في البداية المُجَّان فتتعالى أصواتهم ويتسببون بالضجيج، فازدراها المترفون والعلية ، ثم ابتكر أحدهم مقهى خاصاً لهذه الطبقة، وكان روسو يحضر هذه المقاهي ويخوض في نقاشات مع بعضهم، وكتب مرة عن عجرفتهم وتفاهتهم فتآلبوا ضده ووشوا به بعد كلمات فاه بها، تنال من الكنيسة والملك فهرب من فرنسا. ولقد أسهمت المقاهي في رفع الوعي للمجتمعات الغربية وخصوصاً في باريس و لندن ، ففي بدايات القرن الثامن عشر بلغت مقاهي لندن أربعمئة مقهى، وفي تلك الفترة كانت القاهرة قد شهدت افتتاح أول مقهى، واضطر الفرنسيون في فترة احتلالهم لسورية أن يغلقوا مقاهي دمشق لأنها كانت مركزاً للتحريض ضد الاحتلال.
والمقاهي التي نرتادها في بلادنا لايمكن أن يكون لها التأثير نفسه الذي كان للمقاهي في أوروبا في القرن الثامن عشر، لأن وسائط نقل المعرفة والتأثير الحديثة أحدثت انقلاباً كبيراً، وتسببت بانحسار دور الصحافة المقروءة فضلاً عن غيرها، لكن المقاهي في الأساس كانت للترفيه والتسلية والتخفيف من ضغط العمل ومكاناً للتعرف والثرثرة , ونقطة للالتقاء ومكاناً لاصطياد الأدباء والمثقفين والفلاسفة، واليوم لم يعد للمقاهي تلك الأدوار، مع أن مايقام فيها من أنشطة ثقافية وقراءات للكتب لايمكن أن نجد بعضه في مقاهي الشرق
وقد عرف العرب المقاهي منذ عام 1750، حيث انتشر فيها شرب القهوة وأصبحت فيما بعد ملتقى الأكابر وانتقل إليها الحكواتي ، وتطورت مع العديد من الأحداث والتحولات السياسية التي مر بها الوطن العربي صورة المقهى من حيث كونه منبراً لكل الأفكار ومختلف الآراء ، وفي بعض البلدان العربية أُغلق العديد من المقاهي في فترات الاضطرابات السياسية كونها كانت منبرا لحشد الرأي العام. وفي أول ظهور لهذه المقاهي كانت بلدان مثل مصر والعراق وبلاد الشام مسرحاً لنشأة المقهى الثقافي في الأربعينيات من القرن الماضي، كما نشأت تباعاً الكثير من المقاهي في دول الخليج العربي وفلسطين والأردن ، إضافة إلى الكثير من الصالونات الثقافية والتجمعات الأدبية والتي استطاعت أن تكون محضن لحركة وعي عربي في مختلف المجالات ، ومركز إشعاع ثقافي وفكري .
والمقاهي كانت تعطي طابع الخصوصية والعموم في آن واحد، فهي تسمح للفرد بالانعزال ولمجموعة محددة دون غيرها بالالتقاء، وهي في الوقت نفسه مفتوحة للوجوه الجديدة والفضوليين والمعجبين وكسب الأتباع، لهذا كانت المقاهي تجمع إلى القهوة أشياء أخرى يتلهى بها الزوار كالشطرنج، وفي الشرق كان الحكواتيون يعمرون ليالي المقاهي, ومن منا ينسى شاعر الربابة , والمطرب الذى يجلس فى المقهى يقدم فنه.


وفي بدايات القرن العشرين ، كان المقهى أو 'الشاي خانة' وفق التسمية التركية، هو مكان تجمع الرجال في المدينة، للتسلية أولاً وتبادل الهموم والآراء ثانيا، مكاناً للتجمّع والحوار. وفي تلك المقاهي ظهرت الأشكال الأولى للفرجة البصرية، من 'الحكواتي' ومن ثم استقبلت المقاهي فى بعض البلاد العربية العروض المسرحية ومثل عروض 'أبو خليل القباني'. و العروض السينمائية الأولى الصامتة ثم الناطقة. فكان المقهى بذلك يمثل المنبر الثقافي لذلك العصر، وقناة الاتصال الأساسية قبل أن تعمر المسارح وتُبنى دور السينما، وقبل اكتشاف التلفاز . فتراجع الدور الثقافي والفني للمقهى فترة من الزمن، إلى أن بدأت بعض المقاهي تستعيد شيئاً من وظائفها المهدورة وفعاليتها الاجتماعية الضائعة ، وتحوّلت بعض مقاهي دمشق إلى منتديات للثقافة والفن بالتوازي مع تقديم المشروبات ، كما تكنت أغلب المقاهي بتسمية 'الكافيه' الغربية.

وفي منتصف خمسينات القرن العشرين ازدهرت المقاهي الشعبية وتطورت فاعلية الجلوس فيها إلى نمطيات إنسانية في مجالات متعددة منها الفنون الموسيقية والغناء، حيث اتخذ مطربو المقامات ومادونهم من المقاهي ملاذاً لفعالياتهم الفنية، فيما اتخذ الأدباء والصحفيون المقهى ملاذاً لنقاشاتهم وقراءاتهم، فصار لكل مجموعة أصوات أدبية أو فنية مقهى خاص تتردد عليه فئة محددة دون غيرها باستثناء الاستضافات التي قد تحصل بين الفينة والأخرى. كان التقليد يقضي بقيام الفئة الفنية أو الأدبية الاحتفاء بالضيف الزائر من خلال تكريس الحديث في تلك الجلسة معه دون غيره .

وظهر مصطلح المقهى الثقافي حيث يجتمع المثقفون أو الفنانون في هذا المكان, فقد تجاوز الجلوس على هذه المقاهي مجرد احتساء فنجان من القهوة إلى تعاطي الفكر والثقافة ، حتى باتت أشبه بمنتديات أدبية وصالونات فكرية ، تضم مختلف شرائح المجتمع . ويعد المقهى الثقافي أحد صور التطور والتغير التي طرأت تاريخياً على الصورة النمطية للمقهى الذي كان دخوله عيباً من وجهة نظر البعض حيث يرتاده العاطلون عن العمل وأرباب السوابق ، إلى أن أصبح قبلة رجال الفكر والإعلام ، والأدباء والشعراء ، وصارت هناك الكثير من المقاهي في العديد من الدول العربية التي تعرف بنوعية مرتاديها فهذا مقهى الصحفيين ، وهذا للأدباء والشعراء ، وثالث للفنانين وغير ذلك .
وتعد مقاهي القاهرة الثقافية هي الأبرز من حيث شهرتها عربياً وارتباطها بكتاب وأدباء كبار مثل مقهى (ريش) الذي كان يحضر فيه نجيب محفوظ، ويتشابه اسمه مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن، وتسمى "كافيه ريش". وكما هو الحال بالقاهرة توجد في مدن بنزرت بتونس وقسنطينة بالجزائر والدار البيضاء بالمغرب مقاهٍ تحمل اسم "ريش"، وتتشابه مع مقهى القاهرة وباريس في كونها تقع في أحد الميادين الكبيرة وبنفس طراز المعمار والديكور والوظيفة أيضا.
وقد استطاع المقهى على مدار تاريخه ومعاصرته للعديد من الأحداث أن يلعب دورًا هامًا وبأشكال عدة، وأن يكون القاعدة التي تنطلق منها الحركات الوطنية. فقد كان المقهى مكانًا تكتب فيه المنشورات والمطبوعات أثناء ثورة 1919م التي قادها سعد زغلول ، وعلى نفس المقهى جلس الزعيم جمال عبد الناصر يحتسي القهوة، ويعد لدوره في ثورة يوليو، كما كانت جزءًا من حياة شاب عراقي جاء يدرس بالقاهرة وهو الرئيس الراحل صدام حسين، وكان يرأس المكان الذي يتجمع فيه اللاجئون السياسيون مثل الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي وقحطان الشعبي وعبد الفتاح إسماعيل رئيس جمهورية اليمن الشعبية السابق.
ومن المقاهي الثقافية "مقهى الفيشاوي" الشهير بحي الأزهر العريق بالقاهرة, فعلاوة على أنه يعد من أقدم مقاهي القاهرة، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797 م ، وأصبح أكثر شهرة وبريقا بفضل إقبال رواد في مختلف المجالات منهم جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والرئيس الجزائري بوتفليقة والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، وعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الذي اصطحب معه عددا من وزراء الخارجية العرب ، والدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ، والعالم المصري الحائز على جائزة نوبل الدكتور أحمد زويل .
ويمكن القول أن المقاهي الثقافية لعبت دورا كبيرا في إثراء الحياة الأدبية والفنية حيث كانت مركزًا للعلوم ولإنشاد الشعري لرواة الملاحم الشعرية، والإنشاد الديني والمدائح النبوية في المولد النبوي الشريف، والعديد من المناسبات الدينية، ويرتادها ولا زال الأدباء والفنانين والشعراء، والموسيقيين .
وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ جمال الدين الأفغاني كان يلتقي مع تلاميذه ومريديه على مقهى البوستة بميدان العتبة الخضراء بالقاهرة، كما اشتهرت مقاهي حي الأزهر بالعلم حيث كان يرتادها العلماء والمشايخ، وكانت تعد أسواقًا لبيع الكتب ، كما كان الخطاطون والنساخون يتخذون من المقاهي مكانًا مفضلاً لهم قبل اختراع الطباعة يحترفون فيه حرفة نسخ الكتب الدينية والأدبية، ويكتبون المصاحف ، وقد ظهر من هذه المقاهي عدد من الموهوبين في الرواية والقصة القصيرة والشعر .
وشهدت المقاهي بشكل عام تطوراً كبيرا ، وباتت تساير متطلبات العصر، فمن محال كانت مقتصرة في بداية ظهورها على تقديم المشروبات لمرتديها، إلى أماكن تساير العصر وتقدم بجوار المشروبات خدمة تصفح الإنترنت وتسمى نفسها "نت كافيه" تماشيا مع العصر, ومن مركز للتسلية والترفيه وتدخين الشيشة (النارجيلة)، ولعب الكوتشينة (ألعاب الورق) والطاولة، يرى الكثيرين من الأجيال الشابة في المقهى استادا رياضياً لمتابعة مباريات كرة القدم على الهواء مباشرة ، وبرلماناً حراً لتبادل الآراء والأفكار والمعلومات بين الأصدقاء ، وأيضا شهد المقهى لديهم تحولا كبيراً حيث صار مركزا لعقد صفقات البيزنس ولقاءات رجال الأعمال والسماسرة ، كما أصبحت وجهة المدونين ونشطاء الإنترنت
مقاهي الانترنت ظهرت حديثاً، وانتشرت في المدن الكبيرة انتشاراً هائلاً فاق ما ماحققته المقاهي الشعبية من نواح عديدة .
ومقاهي الانترنت تفردت بحالة واحدة عن المقهى الشعبي بكونها تستقبل زبائن من أنواع خاصة ، لا يلتفت أحدهم إلى الآخر , بعيدين عن الثرثرة ، بعيدين عن لعب الطاولة، إذ إن رواد مقاهي الانترنت هم رواد صامتون، منعزلون داخل مكعبات صغيرة لا يزيد حجم الواحدة منها بأكثر من متر مربع واحد , يتعاملون مع شاشة الكمبيوتر وفق حالة مزاجية خاصة أو وفق تأملات طويلة يقضونها بالتحديق فيما تظهره لهم الشاشات. وهنا نتساءل هل هذا النوع من المقاهي الحديثة بإمكانها الصمود أمام تاريخ وتقاليد المقاهي الشعبية التي أسست لها قاعدة عريضة من الزبائن الدائمين عبر أزمنة طويلة؟
فالزبائن غير زبائن المقاهي التقليدية ، فالمقاهي التقليدية في المائة عام الماضية لم تكن لاستقبال السيدات أو الفتيات للجلوس بها أو ممارسة حياتهن كما يفعل الرجال، و قد اختلفت الصورة بالقاهرة والإسكندرية وبدأت تتلقى الفتيات مع بدء افتتاح مقاهي الانترنت.
وأهم خدمات الانترنت التي يبحث عنها روّاد المقاهي هي بلا شك، خدمة إقامة اتصالات مباشرة بالصوت والصورة مع أقارب وأصدقاء في الخارج. ومن المألوف والعادي في هذا المجال رؤية عائلة بكل أفرادها، تأتي إلى مقهى الانترنت من أجل إقامة هذا الاتصال مع أحد أبنائها، خصوصاً من العاملين في دول الخليج.

لكنّ معظم روّاد هذه المقاهي شباب تحت سن الثلاثين، يجلسون أمام أجهزة الكومبيوتر لساعات طويلة، بينما كانوا في ما مضى يمارسون هوايات أخرى مختلفة تماماً.
يبقى أن الجميع اتفقوا على أن المقهى هو المقهى , لاشك أن مقهى أيام زمان له طقوسه حيث اشتهرت مدينة القاهرة كغيرها من المدن المصرية بكثرة مقاهيها الشعبية ولكن بعد انتشار مقاهي وصالات الانترنت في السنوات القليلة الماضية والتي بدأت تستقطب شرائح واسعة ومتنوعة من الأهالي، بدأت الشيخوخة تزحف إلى المقاهي التقليدية ولكن هناك مقاه لازالت تحافظ على أصالتها بل وتنامت الحركة فيها خصوصاً في المناطق السياحية كمنطقة الحسين. والسنوات الأخيرة يصح أن يطلق عليها في مصر اسم «سنوات الإنترنت بامتياز» خصوصاً مقاهي الإنترنت. ولم تعد هذه الظاهرة تقتصر على القاهرة والمدن الكبرى، بل انتشرت في شتّى أنحاء البلاد وصولاً إلى أصغر القرى، لتصبح المتنفّس الشبابي الفعلي والرئيسي.
وتبقى أخطر سلبيات المقاهى أنها كانت مكاناً لتعاطي الشيشة وكان ذلك سبباً في اعتبارها مجمعاً للرذيلة ورقة الدين.
أضف إلى ذلك ما تحمله مقاهي الشباب من سلوكيات خاطئة بدأت تنتشر بدون رقيب فتكاثر الشباب على المقاهي وجلوسهم يدخنون الشيشة على أرصفة الشوارع دون أن يشعر البعض بمرور الصلوات في المساجد المجاورة، أو بحاجة الأسرة والأبناء لهذا الوقت بدل أن يمضوه في البحث عن الراحة الشخصية , والغالبية تغيب عنها الأهداف وتجهل التخطيط ، ويصبح الخروج لديها عادة بلا غاية .

ولكن تنامي هذه الظاهرة بين بعض الرجال وزيادة ساعات الجلوس على مقاعد المقاهي إلى جانب ابتكار أصحاب المقاهي خدمات جديدة للترفيه عن الزبون وللبحث عن عدد أكبر منهم جعل بعض المقاهي تأخذ بعدا اجتماعيا جديدا سبب مشكلات اجتماعية غيرت من نظرة المجتمع للمقاهي بعد أن كانت تشكل مجالس لمشاهدة المباريات العالمية المشفرة ومكاناً للحديث عن هموم العمل والتجارة ومتنفساً لمناقشة أحداث المجتمع ومستجداته.

وزاد إقبال الشباب على «المقاهي» خاصة الشباب الذين تتراوح أعمارهم مابين السابعة عشرة إلى الثالثة والعشرين، وهذا نذير سوء، إذ أن في تجمع الشباب في تلك الأماكن من المفاسد ما لا يخفى على أحد.

فالشيشة (المعسل) الضيف الدائم في تلك المقاهي فأضرارها الصحية والنفسية معروفة، وقد أفاض الأطباء في الحديث عنها بالإضافة إلى الإخلال بالأمن ونشر الفوضى والفساد في المجتمع، فالشاب يضيع دراسته من أجل الذهاب إلى تلك المقاهي، ويقضي فيها الساعات الطوال التي تعود بالوبال والدمار على مستقبله وتحصيله، فيصبح عالة على مجتمعه ووطنه.وهذه المقاهي تستنزف أموال مرتاديها وتستذلهم ، فيلهث الشاب من أجل تحصيل مبالغ مالية ينفقها فى المقاهي، فيضطر أحيانا إلى التحايل على والديه وأقربائه وأحياناً يضطر إلى السرقة من أجل الاستمتاع مع الزملاء في تلك الجلسات.أضف إلى ذلك مايتعلمه الشاب ويتلقاه ممن يرتادون تلك المقاهي من متدنى الحالة الثقافية والخلقية ، مما يجعل الشاب يقع فريسة سهلة لأطماع هؤلاء المفسدين , والكل يدرك ما لتسكع الشباب في تلك المقاهي وركونهم إليها دون البحث عن عمل- حتى لو كان بسيطاً في البداية- من أثرٍ خطير على أمن البلاد والعباد، وأقسام الشرطة ودور الأحداث تقدم قصصاً يندى لها الجبين مما تفعله تلك المقاهي. فلهذه المقاهي النصيب الأعظم في إحباط الشباب وإضعاف مستوياتهم الخلقية والعلمية، فبعد أن يدخل الطالب إلى الحياة الجامعية يُحسُّ بنوع من الحرية لم تكن مألوفة لديه في السابق، فيخرج كل يوم إلى تلك المقاهي التي تمدُّ ذراعيها وتفتح أبوابها على مصراعيها لاستقبال زبائنها- ضحاياها- في أيّ وقت ليلاً أو نهاراً صيفاً وشتاءً. فهل يعقل أن تهدر أموالٌ طائلة على مقاهي لاتفيد المجتمع بشيء، ولاترتقي بشبابه بل تجلب لهم المضرة؟!وقد احتج علماء الدين على المقاهي لأنهم رأوا فيها وسائل لهو تصرف الناس عن الصلاة والعبادة.

الأربعاء، 5 مايو 2010

جعوان وعرب المعقل

كانت بطون هلال وسليم من مضر فى زمن الدولة العباسية أحياء ناجعة محلاتهم من بعد الحجاز بنجد , فبنو سليم مما يلى المدينة وبنو هلال في جبل غزوان عند الطائف وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف العراق والشام فيغيرون على الضواحى ويفسدون السابلة ويقطعون على الرفاق وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة وأيام الزيارة بالمدينة , وجهزت البعوث والكتائب من ببغداد للإيقاع بهم وصون الحاج عن مضرات هجومهم, ثم تحيز بنو سليم والكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم وصاروا جندا بالبحرين وعمان ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدى( الفاطمى) على مصر والشام وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز (الفاطمى) منهم وغلبهم عليها وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين ونقل أشياعهم من العرب من بنى هلال وسليم فانزلهم بالصعيد وفى العدوة الشرقية من بحر النيل فأقاموا هناك وكان لهم أضرار بالبلاد وانساق ملك صنهاجة بالقيروان إلى المعز بن باديس بن المنصور سنة ثمان وأربعمائة , وسنة سبع وعشرين ولى المنتصر بالله معز الطويل أمر الخلافة , وكانت أذن المعز بن باديس صاغية إلى مذاهب أهل السنة , فنادى مستغيثا بالشيخين أبى بكر وعمر وسمعته العامة فثاروا بالرافضة وقتلوهم وأعلنوا بالمعتقد الحق ونادوا بشعار الإيمان وقطعوا من الأذان حى على خير العمل , وحلف المعز لينقضن طاعتهم وليحولن الدعوة إلى بنى عباس ويمحون اسم بنى عبيد من مناره ولج في ذلك وقطع أسماءهم من الطراز والرايات وبايع القائم أنا جعفر بن القادر من خلفاء بنى العباس وخاطبه ودعا له على منابره سنة سبع وثلاثين وبعث بالبيعة إلى بغداد , وهدمت دار الإسماعيلية وبلغ الخبر إلى المستنصر معز الخليفة بالقاهرة وإلى الشيعة الرافضة من كتامة وصنائع الدولة فوجموا وارتبكوا في أمرهم وكان أحياء هلال من جشم والاثير وزغبة ورياح وربيعة وعدى في محلاتهم بالصعيد , وقد عم ضررهم وأحرق البلاد والدولة شررهم فأشار الوزير أبو محمد الحسن بن على الياروزى باصطناعهم والتقدم لمشايخهم وتوليتهم أعمال افريقية وتقليدهم أمرها وصنهاجة ليكونوا عند نصر الشيعة والسبب في الدفاع عن الدولة, فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الأحياء سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وأرضخ لأمرائهم في العطاء ووصل عامتهم بعيرا ودينارا لكل واحد منهم وأباح لهم إجازة النيل وقال لهم قد أعطيتكم المغرب وملك المعز بن بلكين الصنهاجى العبد الآبق فلا تفتقرون , وسارت قبائل دياب وعرف وزغب وجميع بطون هلال إلى افريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشىء إلا أتوا عليه حتى وصلوا إلى إفريقية سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة , فعاثوا في البلاد وأظهروا الفساد في الأرض ونادوا بشعار الخليفة المستنصر, وكانت الهزيمة على المعز وفر بنفسه وخاصته إلى القيروان وانتهبت العرب جميع محله من المال والمتاع والذخيرة , وقتلوا فيها من البشر ما لا يحصى , ثم نازلوه بالقيروان وطال عليه أمر الحصار وهلكت الضواحى والقرى بإفساد العرب وعيثهم , وأكثروا النهب واشتد الحصار وفر أهل القيروان إلى تونس , ثم ملكوا بلاد قسنطينة كلها , واقتسمت العرب بلاد افريقية سنة ست وأربعين وأربعمائة , وغلب العرب صنهاجة وزناتة على ضواحي إفريقية والزاب ونهروا من بها من البربر وأصاروهم عبيدا وخدما بباجة .
وكان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم إفريقية رجالات مذكورون , وشعوبهم لذلك العهد زغبة ورياح والأثبج وقرة وكلهم من هلال ابن عامر وربما ذكر فيهم بنو عدى , وكذلك ذكر فيهم ربيعة , وكان فيهم من غير هلال كثير من المَعْقِل ( المُعَقّل ) من بطون اليمنية , والرياسة كانت عند دخولهم للأثبج وهلال فأدخلوا فيهم وصاروا مندرجين في جملتهم , وسلافة العرب من هلال يعدون المعقل من بطون هلال وهو غير صحيح , والمعقل يزعمون أن نسبهم في أهل البيت إلى جعفر بن أبى طالب ( وجدهم معقل بن موسى الهراج بن محمّد بن جعفر الأمير بن إبراهيم الأعرابي بن محمد الجواد بن علي الزينبي بن عبدالله بن جعفر الطيار بن أبي طالب) ويؤكد ابن خلدون أنّ ذلك ليس صحيح لأن الطالبيين والهاشميين لم يكونوا أهل بادية ونجعة والصحيح من أمرهم أنهم من عرب اليمن , فإن فيهم بطنين يسمى كل واحد منهما بالمعقل , فأحدهما من قضاعة بن مالك بن حمير , والآخر من بنى الحرث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج والأنسب أن يكونوا من هذا البطن الآخر الذى من مذحج كان اسمه ربيعة .
[ فمُعَقّل هو عبد الله بن المعقل , واسم المعقل ربيعة بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج بن أدد بن زيد بن كهلان ].
فبنو المَعْقِل بطن من بني الحارث بن كعب .

وقد عده الإخباريون في بطون هلال الداخلين إلى إفريقية لأن مواطن بنى الحرث بن كعب قريب من البحرين حيث كان هؤلاء العرب مع العراقة قبل دخولهم إلى إفريقية ويؤيده أن ابن سعيد لما ذكر مذحج وأنهم بجهات الجبال من اليمن , ثم قال وبإفريقية منهم فرقة وبرية ترتحل وتنزل . وهؤلاء الذين ذكر إنما هو المعقل الذين هم بإفريقية وهم فرقة من هؤلاء الذين بالمغرب الاقصى.

وكانت عرب المعقل من أوفر
قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى بقبلة تلمسان، وينتهون إلى المحيط الأطلسي من جانب الغرب, وكان دخولهم إلى المغرب مع بني هلال, موطنهم الأصلي زمن القرامطة كان البحرين ( أى شرق الجزيرة العربية).
ومن إملاء نسابتهم أن معقل جدهم له من الولد سحير ومحمد فولد سحير عبيد الله وثعلب فمن عبيد الله ذوى عبيد الله البطن الكبير منهم ومن ثعلب الثعالبة الذين كانوا ببسيط متيجة من نواحى الجزائر وولد محمد مختار ومنصور وجلال وسالم وعثمان فولد مختار بن محمد حسان وشبانة فمن حسان ذوى حسان البطن المذكور أهل السوس الأقصى(موريتانيا) ومن شبانة الشبانات جيرانهم هنا لك ومن جلال وسالم وعثمان الرقيطات بادية لذوى حسان ينتجعون معهم وولد منصور بن محمد حسين وأبو الحسين وعمران وشب يقال لهم جميعا ذوى منصور .

ذوى عبيد الله
فأما ذوى عبيد الله فهم المجاورون لبنى عامر بن زغبة من سلطان بنى عبد الواد من زناتة , فمواطنهم من بين تلمسان إلى وجدة إلى منصب وادى ملوية في البحر ومنبعث وادى صامن القبلة وتنتهى رحلتهم في القفار إلى قصور توات وتمنطيت وربما عاجوا إلى ذات الشمال إلى تاسايت وتوكرارين وهذه كلها رقاب القفر إلى بلد السودان.
فذوى عبيد الله مواطنهم بين تلمسان
وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة خصوصا في القرن 12 م , و منها كانوا ينتجعون في مشاتيهم الى تخوم الصحراء الكبرى مرورا بتافيلالت وواحة فكيك, ومنهم من كان يكتفي بمصاحبة القوافل التجارية لحمايتها من قطاع الطرق مقابل ضريبة الإجازة او الخفارة.
وكان بينهم وبين بنى عامر فتن وحروب موصولة وكان لهم مع بنى عبد الواد مثلها قبل السلطان والدولة , فما كانوا أحلافا لبنى مرين وكان المنبات من ذوى منصور أحلافا لبنى عبد الواد فكان يغمراسن يوقع بهم أكثر أوقاته وينال منهم إلى أن صحبوا بسبب الجوار واعتزت عليهم الدولة فأعطوا الصدقة والطوائل وعسكروا مع السلطان في حروبه ولم يزل ذلك إلى أن لحق الدولة الهرم الذى يلحق مثلها فوطنوا التلول وتملكوا وجدة وندرومة وبنى يزناس ومديونة وبنى سنوس إقطاعا من السلطان إلى ما كان لهم عليها قبل من الإتاوات والوضائع فصار معظم جبايتها لهم وضربوا على بلد هنين بالساحل ضريبة الاجازة منها إلى تلمسان فلا يسير ما بينهما مسافر أيام حلولهم بساحتها الا باجازتهم وعلى ضريبة يؤديها إليهم.
وهم بطنان الهراج والخراج فالخراج من ولد فراج بن مطرف بن عبيد الله ورياستهم في أولاد عبد الملك وفرج بن على بن أبى الريش بن نهار بن عثمان بن خراج لاولاد عيسى بن عبد الملك ويعقوب بن عبد الملك ويغمور بن عبد الملك وكان يعقوب بن يغمور شيخهم لعهد السلطان أبى الحسن ولما تغلب على تلمسان استخدم له عبيد الله هؤلاء .
ولهم بطون كثيرة فمنهم الجعاونة من جعوان بن خراج والغسل من غاسل بن خراج والمطارفة من مطرف بن خراح والعثامنة من عثمان ابن خراج وفيهم رياستهم , ومعه الناجعة يسمون بالمهايا ينسبون تارة إلى المهايا بن عياض , وتارة إلى مهايا بن مطرف , وأما الهراج فمن ولد الهراج بن مهدى بن محمد بن عبيد الله ومواطنهم في ناحية المغرب عن الخراج فيجاورون بنى منصور ولهم تاوريرت وملؤها وخدمتهم في الغالب لبنى مرين واقطاعاتهم من أيديهم ومواطنهم تحتهم .
ويتفرع الهراج الى أولاد فكرون و أولاد مرين وأولاد مناد.
وكان دخول عرب المعقل إلى المغرب مع الهلاليين في عدد قليل، يقال أنهم لم يبلغوا المائتين. واعترضهم بنو سليم فأعجزوهم وتحيّزوا إلى الهلاليين منذ عهد قديم ونزلوا بأخر مواطنهم مما يلي ملوية ورمال تافيلالت، وجاوروا زناتة في القفار والغربية فعفوا وكثروا وأنبتوا في صحارى المغرب الأقصى، فعمروا رماله وتغلبوا على فيافيه. وكانوا هناك أحلافاً لزناتة سائر أيامهم. وبقي منهم بأفريقية جمع قليل اندرجوا في جملة بني كعب بن سفيم وداخلوهم حتى كانوا وزراء لهم في الاستخدام للسلطان واستئلاف العرب.
فلما ملكت زناتة بلاد المغرب ودخلوا إلى الأمصار والمدن. قام هؤلاء المعقل في القفارونفروا في البيداء فنموا نموا لا كفاء له، وملكوا قصور الصحراء التي اختطها زناتة بالقفر مثل قصور السوس غرباً، ثم توات ثم بودة ثم تامنطيت، ثم واركلان ثم تاسبيبت ثم تيكورارين شرقاً, فجاز عرب المعقل هؤلاء الأوطان في مجالاتهم ووضعوا عليها الأتاوات والضرائب.

ولما ملك بنو عبد الواد تلمسان ونزلوا بساحتها وضواحيها , وفى خلال ذلك خلت مجالاتهم بالقفر من ظعونهم وناجعتهم الأحياء من بطونهم قليلى العدد , فغلب عليهم هنالك المعقل وفرضوا عليهم اتاوة من الابل يعطونها ويختارونها عليهم من البكرات وكان المتولي لاخذها منهم من شيوخ المعقل ابن الريشر بن نهار بن عثمان بن عبيد الله وقيل على بن عثمان أخو نهار , وبقيت البكرات للمعقل عادة إلى أن تمشت رجالات من زغبة في نقض ذلك وغدروا برجال المعقل ومنعوا تلك البكرات .






_________________________________
تاريخ ابن خلدون
نهاية الأرب فى معرفة أنساب العرب
الإكمال
تبصير المنتبه بتحرير المشتبه
العقد الفريد
الأعلام للزركلى
قبائل المغرب لعبد الوهاب بن منصور