الأربعاء، 21 يناير 2015

سيدنا علىُّ رضى الله عنه والقصاص

بعد البيعة اجتمع إلى" علىّ" "طلحة" و"الزبير" -رضى الله عنهم أجمعين - فى عدة من الصحابة فقالوا : يا "علىّ" إنا قد اشترطنا إقامة الحدود , وإنّ هؤلاء القوم قد اشتركوا فى دم هذا الرجل , وأحلّوا بأنفسهم , فقال لهم : يا إخوتاه إنى لست أجهل ما تعلمون , ولكن كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم , ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم , وثابت إليهم أعرابكم , وهم خلالكم يسومونكم ما شاءوا , فهل ترون موضعاً لقدرة على شىء مما تريدون ؟ قالوا : لا , قال : فلا والله لا أرى إلا رأياً ترونه إن شاء الله, إنّ هذا الأمر أمر جاهلية , وإنّ لهؤلاء القوم مادة , وذلك أنّ الشيطان لم يشرع شريعة قط فيبرح الأرض من أخذ بها أبداً , إنّ الناس من هذا الأمر إن حُرّك على أمور : فرقة ترى ما ترون , وفرقة ترى مالا ترون , وفرقة لا ترى هذا ولا هذا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها و تؤخذ الحقوق , فاهدءوا منة وانظروا ماذا يأتيكم ؟ ثم عودوا.

وطلب "طلحة" أن يسمح له علىّ بطلب العون من البصرة , وكذلك طلب "الزبير" طلب العون من الكوفة , وقال "علىّ" : حتى أنظر فى ذلك .

كان أصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار يرون أنّ "عثمان" قتل مظلوماً , وليس للإمام بد من الثأر بدمه , وعلىُّ يرى أنّ السلطان قد انتقل إليه بحكم البيعة , ولكن مازال فى أيدى الثائرين بحكم الواقع من الأمر , فهم يحتلون المدينة ويقضون فيها وفى أهلها بما يشاءون , فالخير فى التمهل والأناة حتى تستقيم الأمور , ويقوى سلطان الخليفة ثم ينظر فى القضية , وقد رضى أصحاب النبى من "علىّ" بما رأى لهم , ورغم ذلك فقد همّ أن يحقق فى مقتل "عثمان" وسأل "محمد بن أبى بكر" فأنكر , وأقرته "نائلة" زوج "عثمان" , ولكن الثائرين لم يكادوا يحسون بدء "علىّ" فى هذا التحقيق حتى أظهروا السخط .

وكان عدد الثوار أكثر عدداً وقوة , وأشد بأساً من أن يقدر عليهم أو يقتص منهم الإمام الجديد , بل كان الخليفة الجديد ومن بايعه من المهاجرين والأنصار لم يكونوا فى أيديهم إلا أسارى .

وحاول "علىّ" معالجة الموقف وتهدئة الأحوال بفض هذه الجموع التى تجمعت بالمدينة توطئة لعودة الأمور إلى حالتها الطبيعية , ومن فوق المنبر توعّد "علىّ" العبيد المنضمين إلى الثوار , وطالبهم بالتراجع عن ذلك الموقف , وأعلن براءة الذمة من أىّ عبد لا يرجع إلى مواليه.


وهنا ثار الثوار والأعراب وتذمروا رافضين انصراف العبيد وتآمروا خشية أن يتخذ الخليفة منهم موقفاً مشابهاً فيما بعد , وفى اليوم الثالث من خلافته خرج علىّ وطالبهم بإخراج الأعراب من بينهم ليلحقوا بأرضهم ويغادروا المدينة كما ناشد الخليفة الأعراب ضرورة تنفيذ أمره بعودتهم إلى بلدانهم واللحاق بأرضهم ومياههم ومغادرة المدينة , وترفض الثوار أمر الخليفة و تحض الأعراب على البقاء , وتستجيب الأعراب لرغبتهم .

لقد رأى علىّ رضى الله عنه المصلحة تقتضى تأخير القصاص لا تركه كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى حادثة الإفك عندما رأى أنّ جلد عبدالله بن أبىّ بن سلول أعظم مفسدة من تركه , فعلىّ لا يستطيع أن يقتل قتلة عثمان أصلاً لأنّ لهم قبائل تدافع عنهم والأمن غير مستتب ومازالت فتنة ومن يقول أنهم لن يقتلون عليّاً ؟ 

وقال ابن عباس لعلىّ رضى الله عنهما: كان الرأى أن تخرج حين قتل الرجل أو قبل ذلك فتأتى مكة , فتدخل دارك , وتغلق عليك بابك , فإن كانت العرب جائلة مضطربة فى أثرك لا تجد غيرك , فإما اليوم فإن فى بنى أمية من يستحسنون الطلب بأن يلزموك شعبة من هذا الأمر , ويشبّهون على الناس , ويطلبون مثل ما طلب أهل المدينة ولا تقدر على ما يريدون , ولا يقدرون عليه , فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحمّلنّك الناس دم عثمان غداً , فأبى علىّ .

   _______________________________
المصادر:
 تاريخ الرسل والملوك    ابن جريرالطبرى 
 الفتنة الكبرى  الجزء الثانى علىّ وبنوه د. طه حسين  
السبئية       د. نادية حسنى صقر  
حقبة من التاريخ      د. عثمان الخميس        



الاثنين، 5 يناير 2015

اليهود والحملات الصليبية



                   خلال القرن الحادى عشر حدثت تطورات سياسية واجتماعية واقتصادية فى غرب أوربا , وقد أفرزت هذه التطورات حقائق موضوعية جعلت وضع اليهود الأوربيين أكثر حرجاً , وصاعدت من نغمة العداء الاجتماعى الأوربى لليهود والذين كانوا خارج الكتلة الاجتماعية الإقطاعية , وأهم هذه التطورات هى ظهور جمهوريات جنوا والبندقية و بيزا , وتأسيسها لعلاقات تجارية مع الشرق بعيداً عن اليهود , وتمكن التجار الأوربيون من الاستغناء عن خدمات الوسطاء التجاريين اليهود , فلم يبق لهم إلا الربا .
 وكان النبلاء الإقطاعيون المبذرون ورجال الكنيسة المفلسون والحكومات الملكية الناهضة يحتاجون جميعاً إلى خدمات المرابين اليهود , وهذا ما يفسر لنا سبب الحماية التى قدمها الأمراء والأساقفة والملوك لليهود فى مواجهة العداء الشعبى الغاضب تجاههم أثناء أحداث الحركة الصليبية وقد تورطت جميع الطبقات الاجتماعية فى الديون التى اقترضوها من المرابين اليهود بأرباح كانت تصل أحياناً إلى خمسين بالمائة .
     وكان اليهود يمارسون الأعمال المكروهة اجتماعياً , ولكنها تدر أرباحاً عالية مثل جباية الضرائب و تجارة العبيد الذين كان بعضهم مسيحيين , بالإضافة إلى الربا , كل هذا أكسبهم سخط الجماهير المسيحية و حقدهم  .
وعندما ضاقت الأمور على الكنيسة : انتصار المسلمين من جهة , والهرطقة المسيحية من جهة أخرى وجدت المخرج  من تلك الأزمات باضطهاد اليهود فبدأت الحملة الصليبية بهم فقد كان العداء لليهود حركة  شعبية موجهة ضد الطبقة الحاكمة والكنيسة , وقد تيقن اليهود من عدم قدرة الكنيسة المسيحية على حمايتها فقاموا برشوة الأمراء والحكام للقيام بهذا الدور , ومنذ هذه الفترة نشأت مصلحة اقتصادية مشتركة بين النبلاء وبين اليهود  .
     وكان للبعد النفسى دور مهم فى توجيه الحملات الصليبية ضد اليهود الذين يحملهم المسيحيون المسئولية عن صلب المسيح , وكانت النظرة الكاثوليكية فى أوربا ترى أنه يجب على اليهود أن يهيموا فى الأرض مثل قابيل يحملون وصمة الذنب الذى جنوه , ولكن الواقع كان عكس ذلك تماماً , فاليهود الذين يجب أن يكون وضعهم منحطاً بسبب جريمتهم  فى حق المسيح, وكانوا فى حال من الرقى الاجتماعى والتفوق الاقتصادى جعلت الكاثوليك المعاصرين يربطون بين النظرة المسيحية لليهود وذنبهم التاريخى من جهة وممارساتهم الاقتصادى والمالية الكريهة من جهة ثانية , وتمثلت النتيجة فى ذلك العداء  الشعبى الذى تجلى ضدهم أثناء الحروب الصليبية , فقد ثار السؤال : هل من الصواب أن يسقط المرء فى حبال الجنس الذى صلب المسيح وهو يستعد لشن حرب من أجل المسيحية ؟ وهل يصح أن يمضى المرء نحو هدفه وهو مكبل بالديون التى يدين بها لواحد من الذين غدروا بالمسيح ؟     
وتمثلت الإجابة فى الهجمات التى شنوها على يهود حوض الراين , وكانت تلك هى المرة الأولى التى يتجلى فيها التدين الشعبى النزق فى صورته المتعصبة التى عبرت عن نفسها تعبيراً مأساوياً فى أحداث العنف ضد اليهود  .
    كانت السنوات العشر قبل الحملات الصليبية فى شمال فرنسا وغرب ألمانيا مجاعات وفيضانات ووباء غامض يضرب القرى والمدن كل فترة فاتجه الناس إلى التعلق بالدين ورجال الدين فوجدت دعوة أوربان الثانى لشن الحروب الصليبية ضد المسلمين تربة خصبة.
     وكانت النظرة العسكرية قد استولت على المسيحية الكاثوليكية , وتصاعدت حركة التدين الشعبى العاطفى , وتجسدت مظاهر هذه النزعة العسكرية فى تبرير العدوان على الآخرين  فى ضوء مصطلحات مثل الحرب المقدسة   وحرب الرب , وكان على اليهود فى أوربا و المسيحيين الأرثوذكس فى البلقان وآسيا الصغرى والمسلمين فى المنطقة العربية أن يعانوا من موجة التعصب العاتية التى اجتاحت أوربا الكاثوليكية آنذاك   .
      وفى نهاية القرن الحادى عشر الميلادى عام 1096 م كان اليهود فى معظم أنحاء أوربا على موعد مع موجة من الاضطهاد أدي إلى طردهم بالجملة وقطع دابرهم من بعض البلدان الأوربية بعد أن حاولت إجبارهم على التخلى عن ديانتهم و قبول التعميد المسيحى .
     والحروب الصليبية مجموعة من الحملات العسكرية أرسلتها دول أوربا المسيحية بتحريض من الكنيسة فيما بين القرن الحادى عشر و القرن الثالث عشر الميلاديين للاستيلاء  على الشرق المسلم .
   والسبب المباشر الذى قدموه لهذه الحروب هو سوء المعاملة التى كان الحجاج المسيحيون يتلقونها من الحكام المسلمين عند زيارتهم للأرض المقدسة فى فلسطين , وصاحب هذه الحروب ضد المسلميـن فى الشـرق اندلاع حركات غوغـائية من العداء للجاليات اليهوديـة الموجودة فى الدول الأوربية راح ضحيتها الآلاف منهم, وبدأت الدعوة لهذه الحروب فى 27/11/1095م  إثر اجتماع المجمع المسيحى فى كليرمونت فى فرنسا بتحريض من البابا أوربان الثانى الذى أصدر وعداً بالغفران لكل من ينضم إلى الحملة التىتهدف إلى تحرير القدس من المسلمين , و نجحت هذه الدعوة فى توحيد أوربا الغربية تحت قيادة البابا , وكانت قد تفككت إلى دوقيات صغيرة إثر سقوط الدولة الرومانية الغربية .
     والسبب فى تسمية هذه الهجمات الغربية بالحروب الصليبية يرجع إلى أن المقاتلين المسيحيين الذين لبوا نداء الحرب جعلوا الصليب علامة لهم , وكانوا يحملونه أو يضعونه على ملابسهم.
     وفى شتاء 1095 / 1096 م تجول بطرس الناسك فى أنحاء شرق فرنسا واللورين داعياً  إلى حملة البابا بتكليف منه , وجمع جموع غفيرة من الفلاحين والفقراء , ولم يصبروا حتى يرحلوا فى الموعد المحدد , وغادروا بقيادة بطرس الأراضى الألمانية فى ربيع 1096م بمثابة طليعة للحملات الصليبية ولكن السلاجقة المسلمين  قضوا عليها  .
     وقد هاجم الصليبيون الجماعات اليهودية فى وادى الراين شمال غرب أوربا بزعم أنهم يجب أن يطهروا بلادهم من اليهود الذين اضطهدوا المسيح نفسه قبل أن يذهبوا لمحاربة الذين يضطهدون أتباع المسيح فى فلسطين, فعندما أعلن البابا أوربان الحملة الصليبية  ظن المسيحيون أنه يحسن بهم قتل اليهود قبل قتل الأتراك فى أورشليم , وأعلن القائد جدفرى أنه سيثأر لدماء المسيح من اليهود.
     وكان كل تجمع صليبى فى أوربا يبدأ مسيرته بمهاجمة اليهود المقيمين حوله و هو فى طريقه إلى بلدان الشرق , وكانت الخطة الزحف جنوباً بمحاذاة نهر الراين حيث توجد أغنى مواطن اليهود فى أوربا الشمالية , وكان يهود ألمانيا اضطلعوا بدور مهم فى تنشيط تجارة  نهر الراين, وأصدر لهم الأسقف روجر الإسبيرى والإمبراطور هنرى الرابع عام 1095م عهداً يضمن استقلالهم وسلامتهم, وعندما وقعت الهجمات أرسلوا إلى هنرى الرابع الذى كان فى زيارة إلى إيطاليا فأصدر أمره إلى الأدواق والأساقفة فى ألمانيا بحمايتهم  .
     وفى يوم 3 مايو 1096م حاصر الصليبيون المتجمعون المعبد اليهودى فى أسبير ( سباير) على ضفاف نهر الراين , وقتلوا أحد عشر يهودياً , وكانوا قرروا قتل كل يهودى يرفض  العمادة المسيحية , وأمر الأسقف جوهنسن بقتل عدد من الصليبيين الذين اشتركوا فى هذه  الحادثة , وامتدت الاعتداءات إلى مناطق أخرى على نهر الراين فى وسط أوربا , فعندما اقترب الصليبيون من تريير استغاث من فيها من اليهود بالأسقف إجلبرت فعرض عليهم أن يحميهم على شرط أن يعمدوا , ورضى معظم اليهود ولكن بعض النساء قتلن أطفالهن وألقين بأنفسهن فى نهر الموزل يوم 1/6/1096م .
وفى مينز ( ماينز ) خبأ روثارد كبير الأساقفة 1300 يهودى فى سراديب قصره ولكن الصليبيين اقتحموها وقتلوا منهم 1014 يهودياً , وعندما اقترب الصليبيون من كولونى  خبأ المسيحيون اليهود فى منازلهم , وأحرق الغوغاء الحى اليهودى , وقتلوا من وقع فى أيديهم من اليهود القلائل , وطاردوهم حتى الريف وقتلوا منهم العديد وقتل اليهود بعضهم بعضاً مفضلين هذا على التعميد .
 وفى ورمز (فرمس ) أخذ الأسقف ألبرانشز من استطاع أخذهم من اليهود إلى قصره و قتل الصليبيون الباقى ونهبوا بيوت اليهود وأحرقوها , وانتحر كثير من اليهود , وأشار الأسقف على من عنده بالتعميد فقتلوا بعضهم البعض واقتحم عليهم الصليبيون القصر وقتلوا الباقين وكانوا قلة , ووصل إجمالى من قتل فى ورمز ثمانمائة يهودى يوم 20/8/ 1096 م  .
       واستمرت المذابح فى متز ( ميتز ) على نهر الموزل , ثم براهه ( براغ) التى قتل بها قرابة ثمانمائة يهودى , وحتى بعد تدخل هنرى الرابع ملك ألمانيا ذُبح أحد عشر يهودياً فى  سبتمبر 1103م.
      وعلى نهر الدانوب فى ريجنسبورج ألقوهم فى النهر للعمادة الجبرية , وفى شرق ألمانيا فى غابة بوهيميا لقى حوالى خمسة آلاف يهودى مصرعهم.
     ويقدر البعض عدد الذين ذبحوا فى ألمانيا وغيرها من بلاد أوربا خلال هذه الحملة بإثنى عشر ألف يهودى, وقد أطلق بعض الباحثين على هذه الاضطهادات اسم الهلوكوست الأول  .
وفى يونيو 1099 م دخل الصليبيون القدس , وكان معظمهم من الفرنسيين, وكان اليهود قد انضموا للمسلمين فى الدفاع عن القدس, فلما سقطت فى أيدى الصليبيين سيق من بقى فيها حياً من اليهود إلى الحرق داخل معابدهم , وصادروا أموالهم و كانوا طائفة من القرائين الهاربين من أحبار العراق , واتخذت لنفسها مركزاً فى القدس فى ظل الحكم الإسلامى , وهرب باقى اليهود المستقرين فى الأراضى الفلسطينية الأخرى  .
وقد تكررت الاضطهادات الصليبية ليهود أوربا أثناء الاستعداد للحملة الصليبية الثانية فى منتصف القرن الثانى عشر الميلادى وإن كانت السلطات الحاكمة فى ألمانيا قد تمكنت من حماية اليهود إبان هذه الحملة حيث أن فريدريك الأول منحهم ميثاقاً لحمايتهم عام 1157م ولكن العداوة ضد اليهود كانت متأصلة ذات طابع جماهيرى  .
واستمر القتل فى أثناء الحملة الصليبية الثانية الصادرة من فرنسا أيام لويس السابع داخل ألمانيا فى كولونى وأسبير وورزبرج عام 1147 م , وسمح أسقف كولونى لليهود بالتسلح و حصنهم فى حصن امتنع الصليبيون عن مهاجمته , ولكنهم قتلوا كل من وقع تحت أيديهم من يهود لم يتعمدوا , وفى مينز قتل يهود فى بيت هنرى كبير الأساقفة نتيجة حملة الراهب الفرنسى رودلف الذى كان يطالب بقتل كل يهود ألمانيا .
     فقد عادت إلى فرنسا فكرة بدء الحرب الصليبية فى بلاد المسيحية قبل انتقالها إلى الشرق , وذبح اليهود فى كارنتان ورامرو  وسلى  وفى بوهيميا ذبح الصليبيون 150 يهودياً , وبعد الحملة أجيز لمن أرغم على التعميد أن يعودوا إلى دينهم.
     ولما استولى صلاح الدين على القدس عام 1187 م زاد عدد اليهود فيها بسرعة واستقبل العادل أخو صلاح الدين ثلاثمائة من أحبار اليهود الفارين من إنجلترا وفرنسا عام 1211م  .
     وفى منتصف القرن الثانى عشر واجه يهود إنجلترا الاتهام بقتل الأطفال المسيحيين كأضحية بشرية فى عيد الفصح لأول مرة فى أوربا , وبدأت المظاهرات الحماسية التى راح ضحيتها العديد من يهود لندن عام 1189م.
     وأثناء الحملة الصليبية الثالثة حيث كان ريتشارد خارج إنجلترا تمت مهاجمة اليهود فى أماكن تجمعهم فى ( لين  - نوريتش – ستانفورد – يورك ) ولقى العديد منهم مصرعهم , وانتهز نبلاء يورك الذين كانوا مدينين لليهود هذه الفرصة لعدم دفع الديون وتم حرق صكوك الديون مما يمثل خسارة مالية فادحة للملك لأنهم أقنان بلاط للملك .
     وبعد عودة ريتشارد ثأر لنفسه عام 1194 م وصادر أموال زعماء الهجوم , وقرر تنظيم علاقة العنصر التجارى اليهودى ببقية المجتمع ووضع نظام تسجيل لديون اليهود بعمل نسخ من كل الوثائق الخاصة بالديون.
    وكان الهجوم عليهم بشكل مخفف أثناء الحملتين الصليبيتين الأولى  والثانية , وتزامن اعتلاء ريتشارد الأول العرش عام 1189 م مع تصاعد الحملة ضد الجماعة اليهودية الوسيطة   .
     وفى ألمانيا مع بداية الحملة الصليبية الثالثة بدأ التهييج ضد اليهود ,     وحاول فريدريك الأول وقف الثورة الشعبية , وأعلن أن جريمة قتل اليهودى عقوبتها الإعدام , وإلحاق الأذى به عقوبة قطع الذراع , وأخذ الاحتجاج الشعبى شكل تهمة الدم و تسمم الآبار , ولعبت الكنيسة دوراً مهماً فى حماية
اليهود , وأصدر فريدريك الثانى عام 1236 م قراراً يجدد الحقوق الممنوحة لليهود بمقتضى قرارات هنرى الرابع باعتبار يهود ألمانيا أقنان بلاط للإمبراطور.

      وكان البابا أنوسنت الثالث عام 1198 م قبل الحملة الصليبية الرابعة قد أحلّ عدم دفع  الفوائد على قروض اليهود للمحاربين الصليبيين , ولما انتهت الحملات الصليبية كان الصليبيون يشفون غليلهم عن طريق تذبيح اليهود المقيمين بينهم فى أوربا , ففى عام 1211م ترك ثلاثمائة من الأحبار البلدان الأوربية وهاجروا إلى البلدان الإسلامية خوفاً من الاضطهاد  , وأمر البابا نفسه عام 1251 م جميع اليهود أن يحملوا شارة صفراء ليعرفوا كخطر على الأمة  .