يقول العالم الشيعى الحسن النوبختى :
" لله عز وجل فى الأرض حجة من ولد الحسن بن علىّ بن محمد ابن علىّ الرضا , وأمر الله بالغ وهو وصى لأبيه قائم بالأمر بعده , هاد للأمة مهدى على المنهاج الأول والسنن الماضية , ولا يجوز أن تخلو الأرض من حجة ولو خلت ساعة لساخت الأرض ومن عليها .
وهو الإمام حتى يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن أمره كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه ,إذ الأمر لله تعالى يفعل ما يشاء ويأمر بما يريد من ظهور وخفاء ونطق وصمت كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فى حالة ثبوته بترك إظهار النبوة التى هى أجلّ وأعظم وأشهر من الإمامة , فلم يزل كذلك سنين إلى أن أمره بإعلان ذلك .
وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : اللهم إنك لا تخلى الأرض من حجة لك على خلقك ظاهرا معروفا أو خافيا مغمودا كيلا تبطل حجتك وبيناتك .
ولا يجوز لمؤمن ولا لمؤمنة طلب ما ستره الله , ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يؤمر بذلك ,إذ هو عليه السلام مغمود خائف مستور بستر الله تعالى , وليس علينا البحث عن أمره , بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل , لأن فى طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله , والعون على سفك دمه عليه السلام ودماء شيعته وانتهاك حرمته".
فهو إمام الجعفرية الغائب الذى اختفى فى سرداب وسيرجع باسم المهدى , وسمى الإمام الغائب , وله نواب حتى يرجع , يطلق عليهم نواب أو أبواب .
ومعنى الرجعة أن يأتى رسول الله والأئمة وخاصة من المؤمنين وخاصة من الكفار قبل قيام الساعة إلى الدنيا , لكى يعلى الخير والإيمان ويقضى على الكفر والعصيان .
أى أنّ الرجعة هى قيام القائم الحجة وحشر قوم ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته بظهور دولته , وقوم من أعدائه ينتقم منهم وينالوا الذل والخزى بما يشاهدونه من علو كلمته, وبهذا تختلف القيامة عن الرجعة ؛ ففى القيامة يحشر الله تعالى الناس دون أن يترك منهم أحداً, بينما فى الرجعة يحشر الله تعالى أفواجاً من الناس دون غيرهم .
والإمام الثانى عشر عندهم أول الأئمة رجوعاً إلى الدنيا , ويحكم المسلمين وينشر العدل فى أرجاء الأرض,ويمهد لآبائه وأجداده الأحد عشر لكى يرجعوا , ويتولى كل واحد منهم بالتسلسل حكم المسلمين .
وعندما يرجع الأئمة وخصومهم يعذب من اعتدى على الأئمة وغصبهم حقوقهم أو قتلهم , ثم يموتون جميعاً ثم يحيون يوم القيامة.
وهم يعنون بذلك فى المقام الأول الصحابة الكرام الذين مدحهم القرآن أو أظهر براءتهم حين تعرضوا للظلم.
ويقول باقر المجلسى: المهدى حين يظهر يلقى العون من الله وملائكته, وأول من يبايعه محمد صلى الله عليه وسلم وبعده علىُّ , وتبعث عائشة وتعاقب وتثأر منها فاطمة , ويبدأ حساب المهدى وعمله أولاً مع السنيين وخاصة علمائهم , وذلك قبل الكافرين .
ومن مهام المهدى الأخرى حين يرجع : قتل الحُجاج بين الصفا والمروة , وقطع أيدى وأرجل المشرفين على الحرم , وهدم الحجرة النبوية وإخراج أبى بكر وعمر منها إلى البقيع بعد صلبهما , ونزع الحجر الأسود ونقله إلى الكوفة .
قال محمد باقر الصدر فى بحث حول المهدى أنّ الله يجرى معجزة فى الإمام المختفى تسبق العلم بمراحل , وسيصل العلم يوماً ما إلى إطالة عمر الإنسان لآلاف السنين .
ويقول أن الإمام دائم الصلة بقواعده من الشيعة عن طريق وكلائه ونوابه الأربعة , يحملون إليه منذ غاب أسئلة الشيعة ومشاكلهم , ويحمل إليهم أجوبته شفهية وتحريرية لمدة سبعين عاماً هى عندهم الغيبة الصغرى , بعدها انتقل إلى الغيبة الكبرى بعد أن أصبحت الجماهير مستعدة لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام , وبهذا تحولت النيابة من أفراد مخصوصين كان يعينهم من مقر غيبته إلى خط عام
هو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين دون حاجة للتعيين من الإمام الغائب , وانفتح الباب للنيابة عن الإمام ومباشرة سلطاته, لكن من يقال عنه أنه المجتهد العادل البصير ؟ وكم هناك من عالم مجتهد بصير وباب الاجتهاد عندهم مفتوح .
والمراد بالمجتهد من زاول الأدلة ومارسها واستفرغ وسعه فيها حتى حصلت له ملكة وقوة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعى من تلك الأدلة , وهذا أيضاً لا يكفى فى جواز تقليده بل هناك شروط أخرى أهمها العدالة , وهى ملكة يستطيع معها الكف عن المعاصى , والقيام بالواجب كما يستطيع من له ملكة الشجاعة اقتحام الحرب بسهولة بخلاف الجبان , وهى ذات مراتب أعلاها العصمة التى هى شرط فى الإمام , ثم إنه لا تقليد ولا اجتهاد فى الضروريات , كما لا تقليد فى أصول العقائد كالتوحيد والنبوة والمعاد .
ويقول الخمينى : فالفقهاء اليوم الحجة على الناس كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم حجة الله عليهم , وكل ما كان يناط بالنبى صلى الله عليه وسلّم فقد أناط الأئمة بالفقهاء من بعدهم , وكل من يتخلف عن طاعتهم فإنّ الله يؤاخذه ويحاسبه على ذلك .
والفقيه الشيعى ينوب عن الإمام فى جميع حالاته وأفعاله , وأنّ له ما للإمام بل له ما للرسول صلى الله عليه وسلم من التشريع والحكم والقضاء وغير ذلك .
وقضية ولاية الفقيه هى التى من أجلها ألف الخمينى كتاب ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية , وكانت طريقه فى الوصول إلى القيادة الشعبية, فزعم أنّ قضية ولاية الفقيه أمراً إلهياً وليست من عنده , وأنّ معظم فقهاء عصره يصلحون للنيابة عن الإمام المعصوم , وأنهم أوصياء الرسول صلى الله عليه وسلم , وأنهم الحجة على الناس , وأنهم الحكام على السلاطين , وعلى الناس السمع والطاعة لهم , وأنّ سلطتهم هى السلطة الإلهية .
واستطاع الخمينى أن يصل إلى أن يحكم بما شاء وقتما يشاء ويمنع ما يشاء وقتما يشاء , وزعم أن ولاية الفقيه أمراً إلهياً وليست من عنده , فقال فى صحيفة النور بتاريخ 25/9/1979م :" وليست قضية ولاية الفقيه بالقضية التى ابتدعها مجلس الخبراء, فهى أمر إلهى أنزله الله تبارك وتعالى ,وهى نفس ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويبدو أنّ هؤلاء يخافون حتى من ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
يقول الخمينى فى الحكومة الإسلامية :" نحن نعتقد أنّ المنصب الذى منحه الأئمة عليهم السلام للفقهاء لا يزال محفوظاً لهم , لأنّ الأئمة الذين لا نتصور فيهم السهو أو الغفلة ونعتقد فيهم الإحاطة بكل ما فيه مصلحة للمسلمين كانوا على علم بأن هذا المنصب لا يزول عن الفقهاء من بعدهم " .
يقول أيضاً :" فإذا قام بأمر تشكيل الحكومة فقيه عادل فإنه يلى من أمور المجتمع ما كان يليه النبى صلى الله عليه وسلم ووجب على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا " .
ويقول :" إنّ القيام ضد حكومة الإسلام هو مخالفة لإحدى ضروريات الإسلام , وهو مخالفة للإسلام بالضرورة ".
ويقول عن الفقهاء :" لأنهم منصوبون من الله عز وجل ".
ويقول :" إنّ الفقهاء معينون من الله ".
لقد وضع نظرية متكاملة جعل فيها الفقهاء كالنبى صلى الله عليه وسلم فى الحكم والقضاء , وجعل طاعتهم واجبة على الناس كطاعة النبى صلى الله عليه وسلم , وأصبحت ولاية الفقيه سلطة إلهية فوق كل سلطة , فهو المعَّين من قِبَل الله , و معارضته مخالفة للشرع لاتقل عن الكفر .
وقد عارض هذه النظرية العديد من علماء الشيعة أنفسهم , ومنهم آية الله حسن طبطبائى القمى الذى نلخص رأيه كالتالى :إذا كان المراد من هذه القسم من الولاية المبسوطة والواسعة التى ثبتت للرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار توجد بنفس التوسعة للفقيه خطأ بلا تردد , لأنّ هذه القسم من الولاية تحتاج إلى قدرة العصمة الكاملة والمطلقة , وليس لأى فقيه مقدرة كهذه فكلما يكون الفقيه عالماً ومتقياً وربانياً , فبالطبع تحت تأثير السهو والاشتباه والنسيان يمكن أن يقوم بعمل لم يكن فيه ملحوظاً ......
الله تعالى لم يجعل ويخلق الحكومة للفقيه لأنّ إعطاء حق تشكيل الحكومة لمن يكون معرضاً للخطأ والسهو بعيد من الخالق بل محال ..... يقول ربنا الجليل فى القرآن " كلا إنّ الإنسان ليطغى "
إنه شرح لطبيعة الإنسان وعجينته , وعرّفه بأحسن وجه , حينما رأى الإنسان فى نفسه مستغنياً يبدأ بالطغيان , ولكن لا توجد هذه الخصيصة فى وجود المعصومين , أما الفقيه الذى يكون معرضاً للسهو والنسيان والخطأ والعوامل الداخلية والخارجية مؤثرة فيه , ليس بمعصوم .
وعن ولاية الفقيه يقول د. موسى الموسوى : ولاية الفقيه هى الجناح أو البدعة الثانية التى أضيفت إلى سلطة الذين يدّعون أنّهم نواب الإمام المهدى فى عصر الغيبة الكبرى , وهذه الفكرة بالمعنى الدقيق فكرة حلولية دخلت الفكر الإسلامى من الفكر المسيحى القائل إنّ الله تجسد فى المسيح , والمسيح تجسد فى الحبر الأعظم .
وفى عصر محاكم التفتيش فى أسبانيا وإيطاليا وقسم من فرنسا كان البابا يحكم المسيحيين وغيرهم باسم السلطة الإلهية المطلقة حيث كان يأمر بالإعدام والحرق والسجن , ولقد دخلت هذه البدعة إلى الفكر الشيعى بعد الغيبة الكبرى , وأخذت طابعاً عقائدياً عندما أخذ علماء الشيعة يسهبون فى الإمامة , ويقولون بأنها منصب إلهى أنيط بالإمام كخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وبما أنّ الإمام حى ولكنه غائب عن الأنظار , ولم يفقد سلطته الإلهيه بسبب غيبته فإنّ هذه السلطة تنتقل منه إلى نوابه لأنّ النائب يقوم مقام المنوب عنه فى كل شىء .
ويقول محمد جواد مغنية : ولاية الفقيه أضعف وأضيق من ولاية المعصوم , وأنّ الأولى لا تتعدى ولاية الفتوى والقضاء والأوقاف العامه وأموال الغائب وفاقد الأهلية وإرث من لا وارث له .
ويقول السيد محمد بحر العلوم : لاشك فى قصور الأدلة عن إثبات أولوية الفقيه كما هى ثابتة للأئمة عليهم السلام .