الاثنين، 19 أبريل 2010

الصهيونية جزء من الحضارة الغربية الأوربية


بمضى القرن التاسع عشر وظهور فكرة القوميات صنف اليهود أنفسهم كأمة سامية فى مقابل الأمم الآرية , وقد كان دعاة الاستنارة اليهودية يعتقدون أن اندماج اليهود هو الحل الأمثل لمشكلة معاداة السامية ولكن الصهيونية الناشئة فى ذلك الحين عارضت فكر الاندماج مع الأغيار , وفى عام 1879م بعد الحرب البروسية الفرنسية التى تسببت فى انهيار كثير من الماليين الألمان مما جعلهم يلقون باللوم على اليهود (4) .
ففى أواخر القرن التاسع عشر بدأت اتجاهات معاداة السامية فى الظهور فى ألمانيا نتيجة عاملين :
1- عامل دينى يرجع إلى التقاليد المسيحية القائلة بأن اليهود شعب ملعون بسبب إنكاره للمسيح وصلبه , وقد زاد عليه اتهامهم بترويج أفكار التنوير التى أدت إلى إضعاف العقيدة المسيحية .
2- عامل وطنى هو اتهام اليهود بأنهم شعب عالمى لا ينتمى إلى دولة معينة, وقد كان الشعور القومى بدأ ينمو فى هذه الفترة .
وقد زاد من هذه الحركة المعادية تدفق المهاجرين اليهود من روسيا وبولندا نتيجة الاضطهادات هناك مما أعطى حركة معاداة السامية طابعاً سياسياً له مفكروه مثل يوجين دورنج وفريدريش نيتشة , وبلغ العداء ذروته بوصول هتلر إلى السلطة .
وكان اليهود قد ارتبطوا بالحركات الثورية والشيوعية و الحركات الفوضوية حتى الحرب العالمية الأولى فى النمسا , وعاودت ألمانيا التحديث بفلسفة شمولية ترفض البلشفية والليبرالية وتطرح رؤية عرقية عضوية صارمة تهمش مختلف أعضاء الجماعات التى لا تنتمى عضوياً كاملاً إلى الأغلبية و بخاصة اليهود .
وفى منتصف القرن التاسع عشر ظهرت موجة عنصرية تستند إلى محاولة تعريف الإنسان من خلال عنصر علمانى كامن فيه مثل حجم الرأس والجمجمة ولون الجلد والشعر , فظهرت نظريات عنصرية غربية خلقت تربة خصبة للحركات الشمولية والفاشية التى قامت بعزل اليهود والحرب ضد اندماجهم .
وهذه الفلسفة الشمولية المادية النفعية الداروينية لا تخرج عن الإطار الفلسفى العام فى أوربا والقائم على العنصرية والذى تمثل فى النازية التى قامت على وجهة النظر التى نالت تأييد فاجنر ونيتشة , وهى أن الجنس عماد كل شيء , وأن روائع العالم المجيدة تمت جميعها على أيدى الجنس النوردى مما جعل هتلر ينادى بأنه لا يصح ليهودى أن يكون مواطناً ألمانياً .

وأكبر دليل على أن الصهيونية جزء من الحضارةالغربية الأوربية أن الغرب يحاول تعويض اليهود عما لحق بهم على يد الألمان بإنشاء الدولة الصهيونية على جثث الفلسطينيين ,وقد أنجزت الصهيونية مشروعها من خلال التشكيل الإمبريالى الغربى الذى أفرز هتلر نفسه والذى ينظر بإعجاب إلى الغزو الإسرائيلى للبنان والعالم العربى ,والذى ينظر بحياد وموضوعية للجريمة المستمرة ضد الشعب الفلسطينى .
فالنازية والصهيونية يشكل إطارهما الحاكم ما يلى :
1- القومية العضوية والتأكيد على روابط الدم والتراب(استبعاد الآخر المنبوذ).
2- النظرية العرقية .
3- النزعة الداروينية النيتشوية .
فالألمان عندهم (الشعب العضوى الفولك ) واليهود عندهم (الشعب المختار), فعندما سئل هتلر عن سبب
معاداته لليهود قال :"لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران ".
ويستخدم النازيون الصهاينة الخطاب النيتشوى الداروينى المبنى على تمجيد القوة وإسقاط القيمة الأخلاقية, ولذا يقول فيلى ستارك عام 1926م: "كلاهما تجسيد لعدم فهم البعد المجازى فى العقيدة الألفية الاسترجاعية فى المسيحية فهما ضرب من المشيحانية السياسية (الأخروية العلمانية ) التى تحول الدنيوى المدنس إلى مقدس و كلاهما تهديد لليهودية و المسيحية بل للجنس البشرى كله .
لقد كان نيتشة يعادى اليهود حيث حملت أعماله دلالات سلبية ناتجة عن تصوره أن اليهودية هى أحد أشكال أخلاق الضعفاء .
وكلا الصهيونية والنازية ديانة داروينية تسبغ القداسة على قانون التطور وتجعل القوة الأساس الوحيد لأى نسق أخلاقى (فرض سياسة الأمر الواقع ) وخلق حقائق جديدة (النفعية الداروينية ).
فالحياة بالنسبة للنيتشوية توسُّع و نمو واستيلاء على الآخر وهزيمته ومعاداة للفكر واحتقار له وتمجيد للعقل المباشر ولأخلاق السادة الأقوياء , وهذا هو جوهر الصهيونية .
لقد دعا نيتشة الإنسان إلى أن يعود لحالة الحيوية و الطبيعة المقدسة , ويكون كالحيوان المفترس وينبذ العقائد الدينية وأخلاق الضعفاء , وطرحت الصهيونية نفسها على أنها الأيديولوجيا التى ستحول يهود المنفى إلى المترهلين المؤمنين بأخلاق الضعفاء إلى وحوش يهود يؤمنون بإخلاق القوة.
تفكير نيتشة تفكير نخبوى وحركة التطور لابد أن تؤدى إلى ظهور أمة مختارة , والصهيونية التى ستحول الجماهير اليهودية فى العالم خارج فلسطين إلى مجرد جسر ليؤدى إلى ظهور الدولة الصهيونية .
فعند نيتشة سوبرمن وسيمن , وعند الصهيونية يوجد اليهود أصحاب الحقوق المطلقة والأغيار .

يقول هارولدفيش : تؤمن جماعة جوش إيمونيم بالصهيونية الحلولية أو العضوية أو النيتشوية حيث يتحد الإله بالإنسان اليهودى وبالأرض اليهودية ليكوّنوا نظاماً مقدساً دائرياً مغلقاً يهلك من يقع خارجه مثل العرب , ولكن القداسة فى واقع الأمر هى القوة (الجيش الإسرائيلى ) وهذا الخطاب لا يختلف عن خطاب الرايخ الثالث .
طرحت المنظمة نفسها باعتبارها الحركة الوحيدة القادرة على أن تأتى بحل للمسألة اليهودية يحوز على رضا النازية ويتفق مع خططها .
وشجب الصهاينة جهود القوى المعادية للنازية والتى طالبت بمقاطعة ألمانيا النازية , يقول إدوين بلاك مؤرخ إتفاقية الهعفراة (النقل) :"الصهيونية هى الفلسفة السياسية المستقلة الوحيدة التى وافق عليها النازيون ".
لقد اكتشف الصهاينة أثناء الإرهاب النازى ذلك التناقض بين فكرة الدولة اليهودية ومحاولة إنقاذ اليهود,يقول بن جوريون أنه يفضل إنقاذ نصف أطفال يهود ألمانيا بنقلهم إلى فلسطين على إنقاذ كل أطفال يهود ألمانيا بنقلهم إلى إنجلترا , فرؤيتهم متمركزة حول المشروع الصهيونى وليس الإنسان اليهودى , لذا لعبوا دوراً فى تدمير كل المحاولات لتوطين اليهود فى أماكن مختلفة من العالم مثل الدومينيكان حتى يضمنوا تدفق اليهود إلى فلسطين .
ولقد أكد جولدمان أن هرتزل قد وصل إلى فكرته القومية العضوية من خلال معرفته بالفكر و الحضارة الألمانية , وكذلك يقول حاييم كابلان أنه لا يوجد تناقض بين الرؤية الصهيونية والنازية للعالم فيما يخص المسألة اليهودية فكلتاهما تهدف إلى الهجرة و أن اليهود لا مكان لهم فى الحضارات الأجنبية .

وللتوسع فى الموضوع يمكن الرجوع للمراجع التالية
(1) التطرف الإسرائيلى طاهر شاش
(2) الجماعات الوظيفية د.عبد الوهاب المسيرى
(3) تاريخ أوربا فى العصر الحديث هـ.أ.ل فشر

(4) الثقافة العالمية د . سحر الهنيدى العدد 37
(5)الصهيونية والنازية د . عبد الوهاب المسيرى

للتواصل يمكن التراسل عبر alraia11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق