الاثنين، 17 يناير 2011

سرقة حمرة علم تونس


كانت مفاجأة لى أن أعرف أن لأمريكا قاعدة عسكرية فى تونس ,
وأن تونس محطة هامة للأسطول السادس الأمريكى .
وكانت مفاجأة لى أن أعرف أن وزارة الخارجية الأمريكية ليست
هى المنوطة بالتعامل مع تونس فى فترة حكم بن على ,
ولكن المنوط بالتعامل معها هى وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA
وكانت مفاجاة لى أن أعرف أن الرئيس الهارب زين العابدين بن على
تم تعيينه سفيرا لتونس فى بولونيا بطلب من أمريكا لمتابعة
الوضع الداخلى فى بولونيا لصالح امريكا .

وكانت مفاجأة لى أن اعرف أن بن على كان متعاقدا مع شركة إيطالية
لإعداد سيناريو للهرب فى حالة الانقلابات وغليان الشعب .

وكانت مفاجأة لى أن أعرف أن CIA والموساد كانتا متوغلتين فى أعماق تونس
لحفظ أمن الرئيس الهارب بالطبع لأنه ينفذ الأجندة الأمريكية .
وكان يجب على أن أستنتج صلة بن على القوية بالأهداف الأمريكية عندما عمل
منذ فترة ليست بالبعيدة على تعطيل انعقاد القمة العربية بتونس .

لقد كنت اعتقد أن أمريكا لا تهتم بالشأن التونسى لعدم وجود بترول بكميات
مغرية فى تونس , ولكن أجندة المصالح لا تتوقف على البترول .
ولا شك أن فرنسا الآن فى حيرة كبيرة من أمرها , حيث فى السابق
قد قدمت تونس على أنها مثال للدول التى يجب أن يكون عليها الشرق ,
مما جعلها تتأخر فى التعليق على الأحداث فى تونس طوال شهر كامل ,
وانتهى بها الأمر إلى رفض استقبال طائرة الرئيس الهارب .
وليس مفاجأة أن يتعجب العقيد القذافى مما فعله شعب تونس ,
وليس عجيبا أن يمجد فى شخص أخيه الزين ولد الزين ,
فهكذا تعودنا على ردود فعله الغريبة .

لقد بدأت الأبواق المصرية تخرج فى بعض الفضائيات وتعطى

النصائح المجانية وتعلن تخوفها من وصول التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم
فى تونس , وأطلقوا تحذيراتهم للشعب التونسى , ففى مفهومهم أنه
ليس خطيرا أن تصل تيارات اليسار الشيوعية إلى الحكم ,
أو يتحايل النظام القديم ويعود فى زى جديد , ولكن المشكلة عندهم هى
وصول التيار الإسلامى حتى ولو كان معتدلا إلى الحكم .


وهذه الأبواق مدفوعة الأجر تهدف إلى غايتين :
1- توصيل وجهة النظر الأمريكية والفرنسية خاصة والغربية الأوربية عامة

فى عدم تولى تيار إسلامى للحكم للحفاظ على المكتسبات
التى حصل عليها الغرب فى تونس طوال الفترة السابقة .
وإن كانت المفاجأة قد عقدت ألسنة أمريكا وفرنسا فلا تستطيعان الإعلان عن ذلك ,
فإن الخدم المأجورين الراكعين لأسيادهم جاهزون لتوصيل الرسالة
للشعب التونسى بتحييد الدين عن منظومة الحكم فى تونس .

2- التعبير عن مكنون صدر الأنظمة العربية التى ترى فى التيار الإسلامى

مهددا لوجودها , وجعلته عدوها الأول الذى يجب محاربته داخل وخارج الحدود ,
فلا تسمح بوجود نظام إسلامى فى الإطار الإقليمى يمكن أن يكون ملهما لشعبها
فى تتبع أثره والاسترشاد بخطواته .
وحتى لو كان التيار الإسلامى معتدلا رشيدا فهو غير مسموح به
حتى لا يمثل نموذجا يحتذى به فى المستقبل , وخاصة أن هذه الأنظمة القابعة
فى الحكم لمدة طويلة تستعمل التيار الإسلامى فى بلادها كفزّاعة
تخوف بها الغرب من نموذج الحكم المتشدد ضدهم الذى يمكن أن يصل للحكم
إذا ما أصر الغرب على مطالبتهم بتطبيق مبادئ الديمقراطية والعدالة ,
فيضطر الغرب إلى التراجع عن مطالبتهم بالإصلاح .

فهذه الأنظمة تخشى من نجاح نموذج إسلامى واحد , وترى فيه مهددا لتواجدها واستمرارها فى الحكم , وتزيد الخشية إذا كان هذا التيار الإسلامى مقاوما ,
حيث يكتسب محبة وتأييد الشعوب العربية والإسلامية جميعها ,
وترى فيه شرعية واقعية اكتسبها من محاربته لأعداء الأمة
بينما تدعم الأنظمة الرسمية الأعداء
وتحرص ألا تنتصر المقاومة المكتسية بالكساء الإسلامى
حتى لا تشعر بالحرج أمام شعوبها لتقاعسها عن تحقيق إرادة شعوبهم .

وبالإضافة إلى هذه التحركات التكتيكية من الأبواق المصرية الملعونة ,

هناك أبواق أخرى تونسية تصدر من قيادات الحرس الوطنى التونسى
تحاول إلحاق الأذى بالجيش التونسى ,
وتحاول زعزعة ثقة الشعب به بربط تحركاته بالمصالح الأمريكية ,
وبالإضافة إلى الاجتماعات الحكومية الفرنسية المتصلة
والتى تنفض دون إعلان نتيجة معلنه مما يوجس خيفة بالنفس ,
كل هذا جعل الشك يتحول إلى يقين بأنه هناك من يحاول سرقة الثورة التونسية ,
بلا شك هناك من استكثر على الشعب إنجازه فيخطط لحرمانه من حصد نتائجه ,
فهل سيتنبه الشعب ويقوم بحماية إنجازه التاريخى ؟ أتمنى ذلك ,
وأتمنى أن تكشف عنه الأيام القادمة

وأتمنى ألا تستطيع أحد من سرقة الثورة ولا سرقة حمرة العلم التونسى

الذى يرمز لتضحياته ودماء ابناءه , خاصة أن

العلم التونسى الآن أصبح له رمزية فى كل العالم كله ,

فإذا ما رأيته فى أيدى جماعة من الناس على وجه الأرض تعرف مطالبهم

دون أن تسمعها .

الأحد، 16 يناير 2011

الدروس المستفادة من استعادة التوانسة للسيادة ******


بين الخوف والرجاء قالها الرئيس الهارب زين العابدين بن على : لقد فهمتكم .

ونحن بدورنا إذا استنطقنا فهمه فماذا يقول لزملائه من الطغاة الذين مازالوا جاثمين على صدور شعوبهم ؟

بلا شك سيقول للطغاة محذرا ما يلى :

1- دولة الظلم ساعة , فلا رئاسة طول الحياة , وفكروا فى حياتكم بعد ترك الكرسى .

2- قد تستغفل الشعب بعض الوقت , ولكنك لن تستطيع استغفاله كل الوقت .

3- حدد مقدما الجهة التى ستتجه إليها وقت انتفاضة الشعب .

4- لن يفلت ظالم بفعلته , كيف ستنام ؟

5- فليفكر كل وزير داخلية قبل إصدار الأمر بضرب الشعب , فسوف يحاكمه الشعب , ولن ينفعه الرئيس لأنه سوف يهرب بلا شك .

6- فليعلم كل وزير دفاع أنه سيصبح ملاذ الشعب فلا يجعل من نفسه ألعوبة فى يد الرئيس , ولا يعينه على ظلم العباد .

7- على الحاشية والأقارب أن يهربوا قبل الرئيس , فمن يقع منهم لن يحصل على الرحمة .

8- اعلموا أيها الحكام الطغاة أن أول من أيدكم هم أول من سيخرج على شاشات الجزيرة يقسم بالله أنه ما أيد ولا ناصر .

9- فكروا كثيرا عندما تقررون نفى بعض أفراد الشعب , لأنكم بذلك تختارون للشعب من سيحكمه بعدكم .

10- لا تضع أموالك فى بلد لا تستطيع الذهاب إليه بعد هروبك .

11- احتفظوا بصور كثيرة لبلادكم وخذوها معكم فى هروبكم فلن تطأ أقدامكم أرض أوطانكم مرة ثانية ولن تعودوا إليها مهما كان حنينكم إليها.


السبت، 15 يناير 2011

طائرة السيد الرئيس وعربة خضار البوعزيزى

لو فكر الرئيس التونسى الهارب زين العابدين بن على

مرة واحدة وهو على قمة السلطة أن نهايته ستكون على يد

بائع الخضار الراحل محمد البوعزيزيى لفكر مليون مرة قبل أن يقمع شعبه لمدة ثلاثة وعشرين عاما ,

ولو اعتقد رجما بالغيب أن طائرة هروبه سوف تحلق فى الهواء طويلا قبل أن تقبل دولة بهبوطها على أراضيها ؛ لتراجع عن الكثير من الجرائم التى ارتكبها تجاه شعبه .
وكان حتما أن النظام الذى سيقبله يكون

نظاما لا يخشى شعبه أو بالأحرى يكون نظاما لا يحاسبه شعبه ويكون شعبه مأمون الجانب فمن سيحاسب الملك؟
ولو فكر الملك قليلا ورجع بالذاكرة إلى شهر مضى سيتذكر قول الشعب التونسى نفسه : فمن سيحاسب الرئيس بن على . ولكن الأيام دول ,

اليوم سيحاسب الشعب رئيسه وغدا يمكن أن يحاسب الشعب ملكه .
ولو أخذ رؤساء بلادنا العربية والإسلامية العظة والعبرة من خاتمة بن على ومن سبقه من الطغاة , وفكروا قليلا فى وجودهم فى طائرة هروبهم

يريدون الهبوط وكل الدول ترفضهم وتبتعد عنهم ولا تريد رؤيتهم والكل يتبرأ منهم ومن خطاياهم , فإن هؤلاء الرؤساء سوف يتخذون موقف من اثنين :
الأول :
أنهم يتوجهون إلى العدل والديمقراطية وتخفيف وطأة الظلم عن شعوبهم

وتوفير حياة كريمة لشعوبهم والحفاظ على كرامة شعوبهم

والقضاء على عصابات النهب القانونية الممنهجة المرتدية ثياب الشرعية ,

واحترام عقول الشعوب ؛ فلا تحايل أو استخفاف بهم , ولا تتعامل معهم على أنهم مجموعة من السذج البلهاء الذين يمكن طيهم وإقناعهم بأن :
انتخاباتهم المزورة ..... شرعية
ومرتباتهم الهزيلة ....... عالمية
وضرائبهم الباهظة ..... مخفضة
وأسعار السلع المرتفعة .... مدعومة
وحرايتهم المنتهكة ....... مصانة
وإرادتهم المقيدة ...... طليقة
ودستورهم المرقع ..... سليم
وجلادهم القاسى ..... حنون
ولهم حرية اختيار رئيسهم المفروض عليهم .

والموقف الثانى الذى يمكن أن يتخذوه :
سوف يتوجهون إلى المملكة العربية السعودية

ويأخذون عليها المواثيق المغلظة أنها

سوف تمنحهم حق هبوط طائرة هروبهم عند لزوم الأمر .

الجمعة، 7 يناير 2011

العلم والإيمان

كانت جهود علماء عصر النهضة الأوربية قد بلغت ذروتها عن طريق نيوتن
الذى أتم تشييد العلم الحديث الذى كان له أثر على الدين والأخلاق والفلسفة
حيث أعقب نشأة العلم نزعة شكية دينية كبرى
فأنتجت الثورة العلمية عصر الشك فى الدين حيث لم يعد هناك مجال للإيمان بالتدخلات الإلاهية فى عمل الطبيعة ,
فقد أحدث نيوتن حساً بين الناس بإبعاد الألوهية , وسلم العقل الحديث بأن جميع الأحداث ترجع إلى الأحداث الطبيعية فقط ,
بينما كان يسيطر على الكنيسة الكاثوليكية التفسير الغائى والإيمان بأن العالم يمثل نظاماً أخلاقياً وأن القيم الأخلاقية موضوعية ,
وبدأ العلم الحديث يغير هذه المفاهيم وقدم للناس رأياً قاطعاً بانعدام الغائية فى الأشياء وحل محلها التفسير الآلى فكف العلماء عن التفكير فى الغايات وركزوا فى بحثهم عن الأسباب , وأصبحت الحياة البشرية بلا معنى ولا غرض ,
ولم تعد هناك رابطة منطقية بين مكتشفات العلم وأى مشكلة أخلاقية , وكان أثر المفاهيم العلمية على الأخلاق سيئاً و تجلى هذا السوء فى مظهرين :
1- هدم الإيمان بالله لارتباطه بالغاية والغرض بينما يرتبط العلم بالسبب .
2- انعدام الإيمان بحرية الإرادة وهى القضية المعروفة بالحتمية العلمية
وأصبح سلطان العقل عند الأوربيين منذ ديكارت (1596- 1650م) لا يعلوه أى سلطان إلا سلطان التجربة و الواقع عند التجريبيين ,
وأصبح العقل أساس الفكر المتحرر وأداته , وتحرر الفكر من أساطير الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة , وبرز العقل متألقاً عظمة وحى جديد ,
وطالب بالسيادة والسيطرة فى كل مجال وميدان .
وكان ديكارت قد مهد للنظرة الطبيعية للعالم ( التى اشتقت منها الثورة العلمية ) بإدخال المذهب الآلى والطبيعى فى تفصيلات مذهبه , فكل شيء عنده آلة عدا النفس والله , وبلغت النظرة العلمية ذروتها عند دافيد هيوم الذى أسس الوضعية المنطقية وأصبحت الأخلاق عنده ذاتية والعالم لم يعد يمثل نظاماً أخلاقياً .

وكان هناك فلسفات عبرت عن احتجاجات لصالح النظرة الدينية إلى العالم مثل باركلى وكانت وهيجل , فقد لاحظ كانت مغالاة معاصريه وإعلائهم من قدرة العقل ,
وأكد على أن للعقل الإنسانى حدوداً ينبغى ألا يتجاوزها وإلا غاب اليقين وضاعت الحقيقة , ووضع العقل تحت مجهر البحث الدقيق , وبهذا فقد الإنسان مركزيته وأسبقيته على الطبيعة / المادة ,
وتحول إلى جزء منها وظهرت الأخلاق النفعية المادية التى تعفى الإنسان من المسئولية الأخلاقية , وتحرر الإنسان من المفاهيم الإنسانية والقيم المطلقة مثل المساواة والعدل , وأصبح هو نفسه تجسيداً لقانون الطبيعة ولحركة المادة .

وذلك فى الوقت الذى بدأت فيه أوربا فى منتصف القرن التاسع عشر تكتب صفحة جديدة فى تاريخها تمتاز بانتصار القومية بمثاليتها الرائعة وروحها الوطنية المنظمة ومصالحها السياسية القوية , وتمتاز بأهوائها العمياء وجيوشها الجرارة وحروبها المجيدة وتهديدها الدائم للسلام والتعاون الدولى.

وقد اعترى مجموعة الأفكار والمعتقدات والتقاليد التى توارثها الأوربيون منذ الأزمنة السحيقة تحول جوهرى عميق بسبب تقدم علوم التاريخ و الاقتصاد والطبيعة والعديد من المبتكرات الآلية ,
كل هذا جعل أوربا مجتمعاً جديداً أله العقل وألغى الإيمان وكل ما هو غيب حتى أصبح الإنسان عندهم مقياس الأشياء جميعها , والإيمان بقدرته على المعرفة وتحويل هذه المعرفة إلى وسائل للسيطرة على الطبيعة وتسخيرها لمصلحته .

وأصبح من حقه تحويل العالم وجميع الشعوب إلى وسائل لخدمة مصالحه فتحولت الإنسانية الهيومانية الغربية إلى إمبريالية وآداتية ثم إلى عنصرية , وانقسم البشر إلى (سوبر من ) إمبرياليين يتحكمون فى كل البشر والطبيعة و( سيمن ) دون البشر يذعنون لإرادة السوبرمن والقوانين الطبيعية والمادة,
وهذا ما يسمى النفعية الدارونية وهى تذهب إلى أن من يمتلك القوة له الحق أن يوظف الآخرين لخدمة مصالحه .
وهذا الأمر له علاقة بالتطور الحادث فى مجال العلم , وكان نتيجة مباشرة له فقد أثار داود اشتراوس وعديدون غيره الريب فى حقيقة المسيح وتاريخه, ونبذ الناس الأفكار العتيقة الخاصة بتاريخ العالم القديم وأصل الإنسان ,
وذلك نتيجة للكشوف العلمية وبخاصة نتائج أبحاث تشارلز لايل فى كتابه ( مبادئ الجيولوجيا ) وتشارلز دارون فى كتابيه (أصل الأنواع بواسطة الانتقاء الطبيعى) و( تسلسل الإنسان).

وظهر التساؤل الملح القائل إذا كان علم الأحياء هو المفتاح لفهم فعالية الماضى أفلا يمكن أن يساعد فى صوغ المستقبل أيضاً ؟ وهل فى وسع الساسة ألا يكترثوا للعامل البيولوجى ؟
أوليس واجبهم يدعوهم إلى تشجيع السلالات القوية وتثبيط السلالات الضعيفة؟ وهل يستطيع مجتمع البقاء دون أن يتعاون بالتشريع أو بالعرف مع الطبيعة فى إبادة غير الصالح ؟

أوليست نتيجة حتمية لمبادئ داروين أن الحكم الأرستقراطى هو المبدأ السليم الوحيد للحكم وأن المنافسة هى الركن الوحتد المضمون للتقدم والارتقاء؟.
فالبشر الذين يمكن توظيفهم يشار إليهم باعتبارهم مادة بشرية, والذين لا يمكنهم توظيفهم يشار إليهم باعتبارهم مادة بشرية فائضة لابد أن تخضع لمعالجة إما بالتصدير أو إعادة صياغة أو إبادة .

فإيمان الأوربى بالعقل حرره من الإحساس بالعجز أمام قوى الطبيعة, ودفعه إلى تسخيرها لمصلحته وتحرير ضميره من ضغط القوى الخفية فى الطبيعة التى كانت تشله , وبعث لروح المغامرة فى تذليل الصعوبات والبحث عن المجهول لاكتشافه , والإيمان بالتقدم الدائم وشعور الإنسان بقيمة الحرية على أساس أنها بعد أساسى من أبعاد وجودنا .
وشعر الإنسان الغربى بذاته وقوة إرادته ومقدرته على البطش, وتزايدت معدلات النسبية المعرفية والأخلاقية مما أدى إلى ضمور حس الغربى الأخلاقى, وقدرته على اتخاذ القرار وإذعانه للقانون الوضعى كقيمة مطلقة ,
ويؤمن بالعلم وسيستأصل ما يعوق ظهور الإنسان الجديد الكامل المتحكم فى نفسه تماماً ويبرمجها , ومن هنا ظهرت علوم تهتم بتحسين النسل مثل الهندسة الوراثية, والعداء الشديد للتشوهات الخلقية وفكرة المرض نفسها ,
وتقام يوتوبيا تعفى الإنسان من مسئولية الاختيار الأخلاقى؛ لأن كل شيء سيكون تحت السيطرة المخططة , وتم تصنيف الناس على أساس بيولوجى عرقى إلى أعراق دنيا , وظهرت فكرة الفولك أوالشعب العضوى الذى تربطه بأرضه وثقافته رابطة عضوية حتمية لا تنقسم عراها وتحل الرابطة الإثنية محل العرقية .
لقد فشل العقل الأوربى فى تقديم نظرة شاملة موحدة لكيان الإنسان , وانتهى به عجزه إلى إنكار الحقيقة الروحية للإنسان وإسقاطها من حسابه فى تنظيم حياته , وفشل العقل فى أن يقدم للإنسان معنى لوجوده ,
وهدفاً لحياته وموازين ثابتة لأخلاقه ففتح الباب للقلق والغثيان والفوضى لأن تسود فكانت الحروب والاستعمار والانحلال الأخلاقى والاجتماعى .
وقد هدف نيتشة وماركس إلى تأسيس مجتمع علمانى تعاقدى يستند إلى قيمتى المنفعة واللذة لا إلى القيم الدينية والأخلاقية المطلقة ,
وأصبحت القيمة الأخلاقية شيئاً بعيداً للغاية لا علاقة له بفعل الإنسان المباشر , فقد تم القضاء على الشخصية التقليدية ذات الولاء لمطلق ثابت يتجاوز عالم المادة والتاريخ, وحلت محلها الشخصية الحركية المتغيرة المتقلبة مع حركة المادة التى لا ولاء عندها لأى ثوابت , وتوظف الكون لصالحها وهى شخصية هزيلة
مهتزة لا تثق فى ذاتها ولا رؤيتها ولا هويتها , لذا يتوجب توجيهها حسب ما يصل إليها من أوامر من علٍ , وهنا أصبح من الممكن أن تقرر الدولة إبادة عناصر غير نافعة فى المجتمع ولم يعد هذا جريمة , فلا توجد قوانين مطلقة خارجة عن الدولة .
وكان للفيلسوف الألمانى هيجل دور مهم فى تقديس الدولة عندما قال أن تاريخ العالم صراع من جانب العقل ( الروح ) لكى يصل إلى مرحلة الوعى الذاتى أى (حر) يستحوذ على العالم ويتعرف عليه على أنه ملك له ,
وأن محرك التاريخ هو إشباع الرغبات الأنانية فهى أكبر منابع السلوك أثراً , وكل ما تحقق طوال التاريخ من مبادئ وأفكار عامة احتاج إلى منفعة شخسية تكون بمثابة العامل ( الإرادة ) وحينما تتحد الإرادة الذاتية والموضوعية تتجلى هذه
الوحدة فى الكل الأخلاقى أو الدولة , فهى وحدها الحقيقة الواقعة التى يجد فيها الفرد حريته , ونتج عن ذلك أن قامت الحضارة الأوربية على ما يمكن تسميته بأنانية الحضارة أو الحضارة الأنانية التى تعتمد على طغيان الملكية الفردية أو الفكر المادى فى داخلها وبالتالى السعى إلى السيطرة والتحكم السياسى والاستغلال الاقتصادى للعالم الخارجى وهو ما انعكس فى السيطرة الاستعمارية لأوربا على العالم ,
وأنانية الحضارة تعنى الأنانية فى المصلحة والسلوك وبالتالى السعى للهيمنة دون تضحية وجهد حقيقى صائب و بأقل قدر من الخسائر مقابل أكبر قدر ممكن من المكاسب .
ولذلك فعندما بلغ العنفوان الأوربى الذروة فى القرن التاسع عشر وسيطر على البر والبحر , ظهر المعيار المزدوج : البناء فى داخل الغرب والهدم فى خارجه , العقل والعلم والحرية والديمقراطية فى الداخل والأسطورة والخرافة والتسلط و القهر فى الخارج , فتحطمت القيم الغربية على حدود الجغرافيا ,
وأصبحت أدوات للسيطرة والتبشير والإلهاء , وخلق طبقة منبهرة بالغرب باسم العلمانية والتنوير والحداثة والعقلانية والعلم ضد الأصولية والسلفية والظلامية والتخلف والتعصب والعنف والانغلاق .

لقد انبهر الإنسان الغربى بالمدنية التى بلغها بعد الهمجية , وهذا الانبهار بهيمنته جعله يعتبر تجربته الحضارية بمثابة المقياس والمعيار للحضارات الأخرى , وأعطى لنفسه الحق فى الوصاية ووضع المعايير والقيم للحضارات بفرض السيطرة عليها .
وخرجت الجيوش الغربية الإمبريالية تحمل أسلحة الدمار , وحوّل الإنسان الغربى نفسه إلى سوبرمان مطلق له حقوق مطلقة تتجاوز الخير والشر ,
ومن أهمها حق الاستيلاء على العالم و تحويله إلى مجال حيوى لحركته و نشاطه, وتحويل العالم إلى مادة خام طبيعية أو بشرية ,
فاعتبرت شعوب آسيا وإفريقيا مجرد ( سيمن) موظف لخدمته واعتبرت الكرة الأرضية مجرد مجال حيوى له يصدر له مشاكله ولم يفرق بين شعوب آسيا وإفريقيا وبين المادة الفائضة من شعوب العالم الغربى حيث كانت أولى عمليات المعالجة هى نقل الساخطين سياسياً و دينياً ( البيوريتان ) والمجرمين والفاشلين فى تحقيق الحراك الاجتماعى فى أوطانهم الغربية إلى أمريكا الشمالية و أستراليا ,
وأيضاً بهدف تحقيق مصالح الإنسان الغربى يتم نقل سكان إفريقيا إلى الأمريكتين لتحويلهم إلى مادة استعمالية رخيصة , ونقل جيوش أوربا إلى كل أنحاء العالم للهيمنة عليه وتحويله لصالح الغرب ونقل الفائض البشرى من أوربا إلى جيوب استيطانية غربية فى كل أنحاء العالم لتكون ركائز للجيوش الغربية ,
ونقل أعضاء الأقليات إلى بلاد أخرى فتم نقل صينيين إلى ماليزيا ونقل هنود إلى مناطق متفرقة , ونقل اليهود إلى الأرجنتين ونقل العناصر المقاتلة من آسيا وإفريقيا وخاصة الهنود السيخ إلى جنود مرتزقة لخدمة الجيوش الغربية الاستعمارية ,
وفى الحرب العالمية الأولى تم تهجير 132 ألفاً من سكان المغرب العربى لسد الفراغ الناجم عن تجنيد الفرنسيين وكانت أول هجرة لسكان المغرب العربى واستمرت بعد ذلك .
وفى ظل هذا الترانسفير الخاضع لمبدأ المصلحة الأوربية الغربية تم حل مشكلة عدم استجابة اليهود للتحديث بنقلهم إلى خارج أوربا كعلاج للمشاكل الداخلية التى أحدثوها ويكون موضعهم نقطة ارتكاز للجيوش الغربية وجيب استيطانى يدافع عن مصالح الغرب فى المنطقة التى سيزرع فيها ,
ويتم تحديدها فى ضوء خطوط سير الجيوش الأوربية , وفى ضوء تحديد أماكن الصراع التى يجب اختراقها ,
وفى ضوء اكتشاف الثروات الطبيعية والتى سيأتى على قمتها البترول , وتجتمع كل هذه العوامل فى فلسطين التى بها تكتمل الحلقة المفقودة وهى الأسطورة الدينية والتاريخية التى ستكون الغطاء الأكبر لأكبر عملية ترانسفير فى تاريخ البشرية من حيث الأثر .

الإصلاح الكنسى واليهود

فى الفترة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر سيطرت البابوية على شئون الحياة فى الغرب
وهيمنت على الجوانب الدينية والاجتماعية والثقافية , وأصبح البابا يمثل المسيح على الأرض وساد الاعتقاد أن كهنة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية حصلوا على مناصبهم عن طريق السيد المسيح نفسه الذى أعطى بطرس الحق فى خلافته وهم خلفاء بطرس , بهدف إعطاء الكنسية الرومانية الكاثوليكية الحق الشرعى فى رئاسة العالم المسيحى ,
وادعت الكنيسة أنها فوق العقل وفوق الريبة والمساءلة , وأنها ورثت وحياً إلهياً ,
وأنها ممثل الله على الأرض الملهم المعصوم من الخطأ , وأن جرائمها كانت بإرادة الله مثل حسناتها وأعلنت وصايتها على العقل الأوربى وحددت له الإطار الذى يسمح له بالتحرك فيه فجعلت المصادر الرئيسية للعلم والمعرفة هى الكتاب المقدس وسير القديسين وقرارات المجامع الكنسية ,
وزرعت فى العقل الأوربى أن تفسير الكتاب المقدس هو حق للكنيسة ورجالها , وقام الباباوات والمجالس الكنسية باحتكار عملية تفسير الكتابات المقدسة ,
وأن فهم الكتب المقدسة يجب ألا يتم إلا فى وجود تفسير الكنيسة لها , وأى حقائق لا تستند إلى الكنيسة هى من صنع الشيطان , فالأرض ثابتة فى مركز الكون وتدور الشمس والقمر وبقية الكواكب حولها , وتبنت الكنيسة هذه النظرية لأنها تتفق مع ما ورد فى الكتاب المقدس من إشارات حول مركزية الأرض وتبنت أيضاً أن تاريخ الخلق 4004 ق.م والنهاية 4004 م حيث تقع حياة المسيح فى مركز الزمان.
وكانت محاكم التفتيش التى أسست عام 1231م تلاحق من ينشر نظريات أو معلومات لا تقرها الكنيسة وتسميهم المتهمين بالذندقة والهرطقة والشعوذة والسحر ,
ووضعت ما يعرف بفهرست الكتب المحرمة على المسيحيين , واعتبرت البابوية الرقابة على المطبوعات من أهم واجبات الكنيسة حرصاً على ألا يتأثر المسيحيون بالأفكار الفلسفية .

فالكنيسة سيطرت على عقول الملايين وتم إحراق الكتب والمخطوطات واختفت كتب الفلاسفة الكبار وأعمال الشعراء والمؤرخين وتم تزوير البعض الآخر ليتفق مع آراء الكنيسة مثل تسطح الأرض ومركزيتها وأن الإنسان ولد من الخطيئة , والكهنة يملكون حق الغفران , وحرمت طبع أى كتاب دون موافقة الكنيسة فى عهد البابا اسكندر السادس (1431 – 1503 م ) .

بدأ الإصلاح الكنسى مع برنجاريوس (999 – 1088 م ) ويوحنا فيدانزا الفرنسسكانى (1221-1274م) وتوملبس جاسكوين (1403 – 1458 م ), وجاءوا ينكرون حق الكنيسة فى إصدار التعاليم الدينية ويعلنون الرجوع إلى ما جاء فى كتبهم المقدسة فقط .
وكانت سيطرة الكنيسة بدأت من بداية القرن التاسع بالتحديد عام 800م وهو عام تتويج البابا لشارلمان فى روما, وإصدار الوثيقة المسماه (هبة قسطنطي) والتى سلم فيها الإمبراطور كافة سلطاته الإمبراطورية لأسقف روما .
وبدأت رحلة الإصلاح الفعلية مع ترجمة جون وايكليف الكتاب المقدس للإنجليزية لضمان نجاح الحركة ضد الكنيسة البابوية فى نهاية القرن الرابع عشر, وطبع جوتنبرج الكتاب المقدس عام 1456م وراجع أرازموس النسخة الإغريقية من العهد الجديد و تبين وجود اختلافات وأخطاء بينة مع إنجيل جيروم الذى تعتمد عليه الكنيسة .
وقد رفض الحاكم الساكسونى الولاء لبابا روما واتخذ مارتن لوثر مرشداً دينياً له عام 1512م, وانقسمت ألمانيا إلى كاثوليك وبروتستانت (محتجين) , فقد وجد فى نشاط لوثر فرصة للتخلص من نفوذ الكنيسة الرومانية ,
وترجم مارتن لوثر الكتاب المقدس إلى الألمانية لتصبح فى متناول الجميع , وكان مارتن لوثر قد استاء أثناء زيارته لروما لما شاهده من علامات الانحلال الخلقى و انعدام القيم الروحية السامية لدى رجال الدين هناك واعترض على بعض الاعتقادات والعادات الرومانية الكاثوليكية ومنها بيع صكوك الغفران ,
وتعتبر هذه بداية الحركة البروتستانتية واتهمته الكنيسة بالهرطقة وطالبت بمحاكمته عام 1518 م .

واعترض مارتن لوثر على تعاليم الكنيسة التقليدية عندما طالب بجعل التجربة الإنسانية الخاصة وليس الالتزام بتعاليم الكنيسة محوراً لفكرة الخلاص وهاجم صكوك الغفران وانعدام القيم الأخلاقية وانتشار الجهل وحب السيطرة على الأمور الدنيوية وجمع الثروة فى تصرفات الكهنة وأن الإيمان الحقيقى أهم من السلوك و المظهر الخارجى ,
ونادى بحق كل مؤمن فى تفهم النصوص المقدسة بنفسه , وكان يعتبر النظام البابوى نوعاً من الوثنية بسبب استخدام الصور والأعمال الفنية فى الكنائس واستعمالها كأصنام يسجد المصلون أمامها حيث وضعت الكنيسة جسداً يمثل المسيح فوق الصليب وصورة تمثل السيدة مريم وهى تحمل طفلها داخل أماكن العبادة فى مواضع الصلاة وصرح لوثر بإمكانية تعدد الزوجات فى بعض الظروف ,
وانتشرت دعوته فى ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا والمجر والدانمارك والسويد وشمال أوربا وأصبحت كنيسة مستقلة بعد أن انشقت عن الكنيسة الكاثوليكية , وفى عام 1525 م قامت ثورة الفلاحين فى ألمانيا وقد تأثرت بأفكار مارتن لوثر.
وفى عام 1534 م قطع هنرى الثامن ملك إنجلترا صلته بكنيسة روما , ونصب نفسه على رأس الكنيسة ووضع توماس كرانمر كتاب الصلوات ونظمت الملكة إليزابث عام 1561م وضع الكنيسة فى منتصف الطريق بين الكاثوليكية والبروتستانتية وأزاحت التوتر بهدوء, وفى ضوء هذه القفزات العظيمة الأثر على الأوربيين تيقن الذين طالعوا الكتاب المقدس مباشرة بدون وصاية الكنيسة أنه لا يوجد بالإنجيل ما يفيد بأن الله قد منح باباوات الكنيسة ولا الملوك أى سلطات وأن كل القرائن التى اعتمدوا عليها كانت مزورة ,
وفسروا الدين تفسيراً يتعلق بالملكية ولا يقوم على القدسية فحسب والمجتمع يدير شئونه بنفسه ولا يتلقى الأوامر والنواهى من البابا ونشأت دعوة جديدة لحياة تتبع أصولاً سهلة فى التعميد والزواج و العبادات .

ويعتقد أن البروتستانت أخذوا مبدأ قراءة الكتاب المقدس مباشرة والإيمان بما فيه مباشرة من المسلمين أثناء الحروب الصليبية , وأيضاً الا يتوسط البشر بين البشر وبين الله تعالى .
لوثر كان يوجه دعوته إلى المسيحيين واليهود سوياً مما جعل الكنيسة الكاثوليكية تعتبره نصف يهودى , كما رحب به اليهود فى البداية بسبب هجومه على كنيسة روما , وذهب البعض إلى اعتبار مذهبه الإصلاحى يمثل عودة إلى الاعتقادات اليهودية ومع هذا رفض اليهود دعوته ولم ينضموا إليه .
فأصبح يهاجم عناد اليهود الذين يتمسكون بتفسيراتهم القديمة للتوراة ويرفضون الاعتراف بيسوع المسيح , ووصف اليهود بأنهم لصوص وقطاع طرق وحشرة مثيرة للاشمئزاز.
وتغيرت لدى فريق من المسيحيين النظرة التقليدية التى كانت سائدة بشأن اليهود و تاريخ الشعب اليهودى , فقد كانت الفكرة الكاثوليكية هى عدم تفسير ما جاء فى التوراة عن العهد الإلهى و ظهور المسيح وعودة اليهود إلى فلسطين تفسيراً حرفياً و إنما كان تفسير الكهنة هوأن اليهود قد ارتكبوا المعصية فعاقبهم الله بنفيهم فى بابل وانتهى وجودهم كأمة مع نفيهم الثانى (الشتات ) ,
أما ما جاء بشأن عودتهم إلى فلسطين فقد تحقق بعد عودتهم من بابل , و أما ما تضمنته التوراة بشأن مستقبل إسرائيل فإن المقصود هو إسرائيل الجديدة أى الكنيسة المسيحية , و قد أحدث البروتستانت تعديلاً جوهرياً على تلك النظرة حيث ركزت اهتمامها على العهد القديم و فسرت نصوص التوراة حرفياً بحيث أصبح الكثيرون يعتقدون أن اليهود الذين يعيشون فى البلدان المسيحية أجانب عنها وسوف يعودون إلى فلسطين تحقيقاً لنبوءات التوراة .

وبهذا كانت بداية انتعاش اليهود فى أوربا هى نفسها بداية انتكاسة الكنيسة الكاثوليكية فى بداية القرن السادس عشر عندما احتضنت البروتستانتية اليهود حيث جمعها اضطهاد الكاثوليك .
وكان عصر النهضة عاملاً مساعداً للإصلاح البروتستانتى فى ذلك التغير للنظرة الأوربية لليهود بما أحدثه من تغيرات جذرية فى المجتمع الأوربى فالبروتستانتية ترفض فكرة الشعب الشاهد وتؤمن بالعقيدة الألفية الاسترجاعية (Milleniarism ) التى ترى أن السيد المسيح سيعود مرة أخرى للأرض ويؤسس مملكته على الأرض لمدة ألف عام ,وكان هذا مشروطاً بعودة اليهود إلى أرض الميعاد و تنصيرهم .
وكانت فكرة الشعب الشاهد الكاثوليكية ترى ضرورة الحفاظ على اليهود فى حالة ضعة ومذلة ليقفوا شاهداً على عظمة الكنيسة والشعب الشاهد ليس جزءاً من المجتمع إذ يجب عليه أن يقف على الحدود لكى يشهد كل شيء ويشاهده .
بينما كان اليهود يؤمنون بفكرة الماشيح حيث سيأتى ملك من نسل داود ليخلص اليهود من غير الأغيار ويعود بهم إلى وطنهم القومى ويقف بذلك شاهداً على عظمة اليهود وعلى ضعة الآخرين .
وجاء الفكر البروتستانتى فمزج الفكرتين وأصبح الشعب الشاهد هو نفسه الشعب المقدس الذى يجب استرجاعه إلى فلسطين لتنصيره حتى يتم التخلص منه والخلاص للجميع .
وكانت فكرة المجيء الثانى لسيدنا عيسى فى القرن السادس عشر ثم سادت فى القرن الثامن عشر الأوساط الشعبية و كانت ركائز الفكر الكاثوليكى أثناء الثورة الفرنسية 1798م ,
ويسخر العالم المسيحى لتأييد اغتصاب فلسطين انطلاقاً من تحريف اليهود للكتب المقدسة , وهذا يؤكد اختراق الفكر اليهودى للمسيحية , وتبنى النصارى على مدى أربعة قرون قضية تجميع إسرائيل

فى أرض فلسطين تمهيداً لعودة المسيح , وأصبح فريق من المسيحيين يؤيدون الهدف الصهيونى الرامى إلى عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة يهودية فيها ويطلق عليهم الصهيونيون المسيحيون وذيوع تلك الأفكار هو الذى مهد السبيل أمام الحركة الصهيونية وكفل لها تأييد ودعم عدد من رجال الفكر والسياسة فى العالم المسيحى الغربى .
وهكذا كان اليهود أداة الكاثوليكية تحافظ عليها والبروتستانتية رأت نقلها إلى فلسطين وتذويبها فى المنظومة المسيحية , وقد تحسن وضع اليهود فى أوربا البروتستانتية فاستطاعوا أن ينظموا أنفسهم و يكونوا قوة مؤثرة فى المجتمعات الأوربية .
وابتداءً من القرن السابع عشر وظهور الثورة التجارية ولم يكن بالإمكان الاستمرار فى الدفاع عن وجود اليهود من منظور فكرة الشعب الشاهد حيث ظهرت فكرة العقيدة الألفية ونما تيار العلمانية فتم الدفاع عن عودة اليهود إلى إنجلترا فى القرن السابع عشر من منظور النفع الاقتصادى .
وظفر اليهود بحقوق المواطنين فى القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين , وسارعوا بإنشاء جمعيات يهودية , وفى إيطاليا بعد عصر النهضة اندمج اليهود فى جماعة واحدة واصطبغوا بالصبغة الإيطالية , وأدى ضعف الكنيسة الكاثوليكية إلى تغيير نظرة الحكومات والأفراد إلى الأقليات غير المسيحية التى تعيش بينهم وأهمها اليهود ,
وأصبح الممول اليهودى الجديد أساساً للطبقة التجارية النامية ولم يعتمدعلى نظام الربا القديم الذى كان من أسباب كره الناس له , وحصلوا على مناصب مهمة فى الدولة والمؤسسات الخاصة.

والثورة العلمية جعلت أوربا مجتمعاً جديداً إلا مؤسسة الفاتيكان التى بدت كجلمود صخر فأنكرت المستحدثات الفكرية العصرية , وذمت الحركات العقلية الحرة التى أرخت أواصر الولاء والامتثال للنظم والشعائر الكاثوليكية , فندد الكرسى البابوى بالإشتراكية والمذاهب الحرة والشيوعية وجمعيات التوراة وحرية الضمير والصحافة .

وفى الأقطار البروتستانتية من أوربا فإن المعتقدات الدينية تشكلت وفق الأسفار اليهودية والمسيحية أكثر من تقريرها بواسطة كنيسة مسيطرة مهيمنة , وغدت التوراة كتاباً عادياً لا سفراً مقدساً , وشرع فى وضعها موضع التمحيص طبقاً لقواعد الإثبات والترجيح , فنقد التوراة بعد ذلك لم يكن بالبدعة المستحدثة فإسبينوزا الفيلسوف اليهودى فى أمستردام عام 1670 م تكهن عن مبادئ ونتائج عديدة لهذه الفكرة .

مراجع الموضوع
(1) تاريخ اليهود أحمد عثمان
(2) قصة الحضارة ول ديورانت
(3) موجز تطور الحضارات الإنسانية د. محمد صادق صبور
(4) تاريخ ألمانيا د.محمد كمال دسوقى
(5) التطرف الإسرائيلى جذوره وحصاده طاهر شاش
(6) الصهيونية والعنف د . عبد الوهاب المسيرى
(7) الجماعات الوظيفية د . عبد الوهاب المسيرى
(8) المؤامرة د . زغلول النجار
(9) اليهود و اليهودية و الإسلام د . عبد الغنى عبود
(10) تكوين أوربا كريستوفر دوس