شرفت اليوم الأربعاء 13 مارس 2012م بحضور
( الندوة العلمية الرابعة عشرة لقسم أصول التربية بكلية التربية بكفر الشيخ )
وكانت بعنوان ( مستقبل التغيير التربوى ) .
بدأت الندوة بعزف السلام الوطنى , ثم تلاوة آيات من القرآن الكريم
للقارئ / محمد السعيد عامر ,
ثم الوقوف دقيقة حداد وقراءة الفاتحة على شهداء ثورة 25 يناير ,
ثم الترحيب بالحضور
و بضيف الندوة الدكتور محمد عمارة
ابن كفر الشيخ ,وأحد المفكرين الإسلاميين البارزين ,
وهو من مواليد عام 1931م , بدأ تعليمه بالكتاب وحفظ القرآن ,
وواصل دراسته بالمدارس الأزهرية , ثم كلية دار العلوم ,
وله مؤلفات كثيرة عن المعتزلة وابن رشد ,
وله فضل فى نشر مجموعة من الاعمال الكاملة لرفاعة الطهطاوى
وعلى مبارك وعبد الرحمن الكواكبى ومحمد عبده , بالإضافة إلى كونه
عضوا بمجمع البحوث الإسلامية .
وبدأ الأستاذ الدكتور محمد عمارة كلمته بأن كلية التربية
مكان للصناعة الثقيلة للإنسان الذى هو محور الرسالات السماوية ,
وهو الهدف من مقاصد الشريعة الإسلامية , فالإنسان مهمته الأولى عمران
هذا الكون , ودون صناعة تربوية للإنسان لا يمكن أن يحدث عمران لهذا الكون .
ففريضة القراءة والتكوين وصناعة العقل نزلت من السماء قبل فريضة العبادة ,
وذلك فى قوله تعالى :" اقرأ باسم ربك الذى خلق ".
وبدون علم وتعليم لا يصل الإنسان إلى التوحيد الذى هو جوهر الإسلام ,
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – عندما دخل المسجد فوجد حلقة للعلم
وحلقة للذكر , فاختار حلقة العلم , وقال:" إنما خلقت معلما " .
والعلماء أكثر الناس خشية لله , فهم يكشفون عظمة الله تعالى فى الكون ,
والحضارة الإسلامية فى أساسها بنيت على العلم .
وفترة النبوة كانت ثلاثة وثلاثين عاما , منها ثلاثة عشر عاما فى مكة
لصناعة الإنسان فى دار الأرقم بن أبى الأرقم ؛
المؤسسة الأولى للصناعة الثقيلة , صناعة الإنسان .
والروضة الشريفة تخرج منها الجيل الذى أقام الدين والدولة
وغير مجرى التاريخ .
فصناعة الإنسان المعاصر صناعة كلية التربية ,
وعليها تقوم كل الصناعات والميادين .
ولقد تعرضت بلادنا للغزو الفكرى بغرض مسخ هذه الأمة ,
فمثلا عقب حادث 11 سبتمبر 2001م , وبالتحديد يوم 16 سبتمبر 2001م
وقبل بدء التحقيق فى الحادث , بدأ الرئيس الأمريكى جورج بوش بإعلان
الحملات الصليبية , ومع بدء الغزو الأمريكى لأفغانستان يوم 6 أكتوبر 2001م
قال توماس فريدمان : المعركة فى المدارس , وليس فى ميدان القتال فقط ,
نحن نريد كتبا دراسية تجعلهم يقبلون على حياتنا , وعلى فطائرنا .
فالعقل إذا أصبح تابعا للغرب أصبح مؤيدا للغرب , ولابد أن يصحب تحرير
البلاد من الجيوش الغربية , تحرير للعقل من التبعية الغربية ,
وتحرير القانون من الغزو القانونى الغربى , نريد أن تتعانق المعارف
والعلوم مع منظومة القيم الإسلامية , و صناعة الإنسان هى صناعتكم
ومهمتكم أهل كلية التربية , وهذا ما يحقق كل أهداف الثورة .
وفى بداية كلمة الستاذ الدكتور حسن عبدالعال ذكر أنه فوجئ بالتكريم والثناء ,
وأنه اجتهد فى حياته قد استطاعته فى مجاله,وشكر الحضور والقائمين على الندوة.
وعرض سيادته لأزمة الواقع التربوى المعاش , وكيفية الخروج منها ,
فالأمة تعانى من أزمات عديدة على كافة الأصعدة , والتعليم أم المشكلات ,
لأنها مشكلة ولدت مشكلات عديدة .
إن أمتنا تعانى من التفكك , وجميع عوامل الوحدة التى كانت تميزنا
قد طالها الآفات , وفشلت كل محاولات توحيد المة حتى الآن ,
وهناك تعارض بين خطاب السلطة والجماهير , فالجماهير تبحث
عن حياة مريحة وليبرالية لا نمارسها إلا فى السوق .
فما الإصلاح الاقتصادى سوى إجهاز لمقدرات الأمة وتسليمها للرأسمالية ,
والحداثة لا نمارسها إلا على السطح , والعلم لا نساهم فى صناعته ,
بل فى استهلاك منتجاته , ونعانى من وضع سياسى منقسم ,
ينعكس على الإنسان العربى الذى رفض الذات والآخر ,
وتبرم من كل ما هو قائم , ورفضه دون مناقشة , والدور الاقتصادى
تقوم به الشركات العالمية وليس الحكومات , فالشركات تصنع الفكر
عن طريق الفضائيات , والمجتمع المصرى عيشه كفاف ,
والأنظمة العربية لم تضمن الحياة الكريمة للشعوب حيث ظهرت الأكواخ
والعشوائيات , وأصبح الوضع الاقتصادى متردى .
والفاحص للوضع الثقافى يجد به ظواهر مثل :
- النزوع إلى الشكلانية للجمود والتطرف الفكرى .
- نزوع استهلاكى شديد العمق .
- تغريب الإنسان فى مجتمعه .
والواقع التربوى يعانى من مشكلات نعايشها منها :
- افتقاد سياسة تعليمية رشيدة تبين له معالم طريقه ومستقبله ,
حيث أصبح حقل تجارب للرؤى المختلفة .
- انفصال البحث التربوى عن العملية التعليمية , فحجرة الدراسة التقليدية ,
ووضع التلاميذ التقليدى , وشكل السبورة التقليدى ما زال هو السائد ,
فى حين بدأ العالم بالذاكرة الإلكترونية , ونهاية الكتاب الورقى ,
والمعلم التقليدى , والفصل التقليدى , ولكننا لم نتغير حتى الآن ,
وإذا كنا فى الماضى نتمسك بقول الشاعر : خير جليس فى الزمان كتاب ,
فإننا اليوم نجد أن خير جليس فى الزمان جهاز كمبيوتر .
وكيف نأمل أن نعلم الناس كيف نعرف وليس ماذا نعرف , ومازال دور
المعلم الآن قائم على سكب الحقائق والمعلومات فى عقل التلميذ ,
نريد أن يكون التعليم كيفية الاتصال بمصادر المعرفة ,
ولكن كيف والمحتوى الذى نقدمه هالك ومتقادم .
فتعليمنا الحالى يرسخ قيمة هى مرض أصاب الإنسان العربى
وهو الطاعة المذعنة , وكذلك يرسخها الرصيد العربى ؛
فالتلميذ مستعد لحفظ كل ما يقال له دون فهم , ولا مناقشة ,
وللأسف يرسخ لذلك المدرسة بكل مراحلها ثم الجامعة عبر السنين ,
وينبغى علينا أن نغادر ما عودنا عليه آباؤنا ؛ فالطاعة المذعنة
جعلت الديكتاتور يحكم ثلاثين سنة , حتى قامت الثورة ,
الطاعة المذعنة يحبها الديكتاتور ؛ لأنها تخلق من الإنسان إنسانا
مذعنا يجيد حنى الرأس , بينما التمرد قيمة تدعو للإبداع ,
والتمرد سبيل الخلاص من الجمود والتخلف .
ولا شك أن التعليم أسهم بفاعلية فى أزمة العقل العربى , فمازال الناس
يقرأون كل صباح ( حظك اليوم ) ويتشاءمون من الرقم 13 والبومة .
فالعقل العربى يميل إلى السلبيات , وحفظ المعرفة دون التفكير فيها ,
فالمعرفة تتطلب استيعاب ثم توظيف , فبلا شك أزمة العقل العربى
تشير إلى التعليم , فالمدارس تقتل بذور الإبداع ولا تنميها .
والداء العضال فى هذه المشكلة هو غياب الفلسفة التربوية , وحسب تصورى الشخصى يجب أن تقوم هذه الفلسفة على تساؤلات :
أى إنسان نريد وأى مجتمع نريد من التعليم ؟
ففلسفة التربية التى تصلح التعليم جزء من الفلسفة العامة للمجتمع ,
وهذا نفقده لغياب الرؤية الحضارية والمجتمعية ,
فنظامنا نقل واستنساخ لنظم أجنبية , وتحولت الجامعات
إلى امتداد للمدرسة الثانوية , وتخريج أنصاف المتعلمين
الذين يمارسون عملا ليس ذا قيمة فى حياتهم .
والفلسفة التربوية التى أراها تقوم على :
1- التراث العربى الإسلامى مقوم أساسى لفلسفة التربية ,
وهو تراث له ثلاث علاقات بالإنسان العربى المعاصر :
أ- الإسلام هو الوجه الحقيقى للتراث .
ب- علاقة قومية العرب الذين حملوا رسالة الإسلام .
ج- علاقة إنسانية, فالتراث العربى إنسانى يتفاعل معه الوحى ,
وهو أهم ما فى تراثنا الإسلامى .
2- الوضع العربى , الذى يثبت أن هناك تخلف واغتراب عربى ,
وفلسفة التربية تسعى لعلاجه .
3- الواقع العالمى , حيث ننقده بفحص , ونقبل منه ما يصلح ,
ونرفض ما لا يتفق مع أصولنا .
4- استشراف المستقبل العربى .
وهناك سيناريوهات مستقبلية ثلاثة :
1- أن نكون أصحاب مشكلات تنذر باستمرار التخلف ,
وتؤدى إلى الانقسام والتفتت .
2- سيناريو إصلاحى , حيث إدراك لضخامة المشكلة التى نعيشها ,
ونعد العدة لإصلاح شامل , وإعداد طاقات لتجاوز الأزمة .
3- سيناريو ثورى راديكالى , يؤمن بالاحتياج لثورة ,
وقد حدثت الثورة , ولابد أن نغير الوضع الاقتصادى , وعقول الناس .
وليتحقق المستقبل المأمول هناك أبعاد :
البعد الأول : تحقيق الديمقراطية فى العالم العربى .
البعد الثانى : تعاون عربى .
البعد الثالث : وجود دولة قَطرية مركزية تدعو للوحدة .
ويظل التعليم عاملا أساسيا فعال فى كل هذا .