الأربعاء، 6 يناير 2016

الشعب الشاهد

كان الباباوات في روما أكثر رجال الدين تسامحاً مع اليهود حتى أن جريجورى الأول نهى عن إرغام اليهود على اعتناق المسيحية , وكانت الكنيسة تحمى اليهود بوصفهم حراس الشريعة الواردة فى العهد القديم , وبوصفهم شهود أحياء على صحة الكتاب المقدس من الوجهة التاريخية وعلى غضب الله وهذا ما يعرف بنظرية الشعب الشاهد .
والكنيسة الكاثوليكية صنعت اليهود باعتبارهم شعباً شاهداً يقف فى تدنيه وضعته شاهداً أزلياً على عظمة الكنيسة و انتصارها ,والشعب الشاهد ليس جزءاً من المجتمع إذ يجب عليه أن يقف على الحدود لكى يشهد كل شيء ويشاهده , لذا سعت فى الحفاظ عليهم و حمايتهم من الهجمات الشعبية , وفكرة الشعب الشاهد تنظر إلى اليهود كأداة للخلاص ومن ثم ينبغى الحفاظ عليهم بسبب دورهم الذى يلعبونه فى الدراما الدينية الكونية وهى الفكرة التى سادت أوربا الكاثوليكية الإقطاعية ,  وكان وضع اليهود مستقراً تماماً داخـــل المجتمعات الغربية كجماعة وظيفية وسيطة ذات نفع واضح ثم بدأ الوضع فى التقلقل , فعندما ضاقت الأمور على الكنيسة : انتصار المسلمين من جهة , والهرطقة المسيحية من جهة أخرى وجدت المخرج  من تلك الأزمات باضطهاد اليهود فبدأت الحملة الصليبية بهم فقد كان العداء لليهود حركة  شعبية موجهة ضد الطبقة الحاكمة و الكنيسة , وقد تيقن اليهود من عدم قدرة الكنيسة المسيحية على حمايتها فقاموا برشوة الأمراء والحكام للقيام بهذا الدور , ومنذ هذه الفترة نشأت مصلحة اقتصادية مشتركة بين النبلاء و بين اليهود.

وكان عصر النهضة عاملاً مساعداً للإصلاح البروتستانتى فى ذلك التغير للنظرة الأوربية  لليهود بما أحدثه من تغيرات جذرية فى المجتمع الأوربى فالبروتستانتية ترفض فكرة الشعب الشاهد (التي ترى الحفاظ على اليهود فى حالة ضعة ومذلة ليقفوا شاهداً على عظمة الكنيسة الكاثوليكية ) وتؤمن بالعقيدة الألفية الاسترجاعية (Milleniarism  ) التى ترى أن السيد المسيح سيعود مرة أخرى للأرض ويؤسس مملكته على الأرض لمدة ألف عام ,وكان هذا مشروطاً بعودة اليهود إلى أرض الميعاد و تنصيرهم  , بينما كان اليهود يؤمنون بفكرة الماشيح حيث سيأتى ملك من نسل داود ليخلص اليهود من غير الأغيار ويعود بهم إلى وطنهم القومى ويقف بذلك شاهداً على عظمة اليهود وعلى ضعة الآخرين .
والفكرتان ساهمتا فى تعميق غربة اليهود وانعزالهم , وجاء الفكر البروتستانتى فمزج الفكرتين وأصبح الشعب الشاهد هو نفسه الشعب المقدس الذى يجب استرجاعه إلى فلسطين لتنصيره حتى يتم التخلص منه والخلاص للجميع  .
المراجع:
الجماعات الوظيفية         د.عبد الوهاب المسيرى    

الصهيونية و النازية و نهاية التاريخ      د . عبد الوهاب المسيرى  

الصهيونية و العنف              د . عبد الوهاب المسيرى  

هناك تعليق واحد: