الجمعة، 26 فبراير 2010

وطن ..... تساقط فرسانه .. ونزعت خرائطه

وأنا فى طفولتى نشأت على صوت الرئيس السادات يرن فى أذنى , وأصبحت عثرات كلامه وتهتهاته فى خطبه عالقة بأذنى , ويوم مات كان عندى تسعة أعوام , وسمعت نبأ قتله من إذاعة إسرائيل , حيث تأخر إعلان النبأ فى الإذاعة المصرية , فاتجه كل الناس إلى الإذاعات الأجنبية , ولن أنسى ما حييت اللهجة التى قال بها المذيع الإسرائيلى الخبر , ولحظتها شعرت بالحزن العميق , رغم أن السادات فى هذا الوقت لم يكن يمثل لى أى شىء , سوى أنه رجل يخطب فى التليفزيون وأنا مجبر على سماعة حيث لا يوجد إلا قناتين فقط فى التليفزيون حينئذ .
وترعرعت على مجموعة من الأخبار النمطية التى أسمعها يوميا فى نشرات الأخبار , ولم أكن أفهم منها شيئًا؛ مثل خبر عن الحرب العراقية الإيرانية , وخبر عما يفعله الاحتلال الإسرائيلى لجنوب لبنان , وخبر عن المخيمات الفلسطينية فى لبنان , وخبر عن المقاومة الفلسطينية للاحتلال الإسرائلى, وخبر عن دولة عربية تعيد علاقاتها مع مصر بعد المقاطعة , ووقتها لم أكن أفهم معنى هذه الأخبار .
ومن هنا بدأت علاقتى بالخريطة , حيث أنى أعرف أن العراق جارة لإيران ولذا يمكن لأحدهما أن تعتدى على أرض الأخرى , ولكن أين إسرائيل على الخريطة حتى تحتل فلسطين وجنوب لبنان؟ وأبحث عن إسرائيل فى جيران فلسطين ولبنان فلا أجدها فأتعجب , وبعد سنوات فهمت الأمر , واستلمت من المدرسة الإعدادية كتاب خرائط اسمه أطلس , احتفظت به بعد ذلك .

وفى عام 1990م كنت فى الثانوية العامة , وكانت الحرب العراقية الإيرانية قد وضعت أوزارها منذ عامين , واستيقظنا يوم 2 أغسطس من هذا العام على زلزال احتلال العراق للكويت , وهرعت إلى أطلسى لأطابق ما أسمعه من أحداث فى الإذاعة على الخريطة , وكيف أنّ أمريكا حشدت العالم كله ليحارب معها لتحرير الكويت , والنداءات تصدر من كل مكان فى العالم تطالب صدام بالانسحاب من الكويت , ولكنه لم يستجيب , وتم تحرير الكويت .


وتمضى الأيام , ويكبر الصغير , ومازلت محتفظًا بالأطلس سليمًا , حتى أقدمت أمريكا على غزو
أفغانستان سنة 2001م , فانتزعت خريطة أفغانستان ووضعتها فى جيبى لأتابع مواقع تحطم قوات أمريكا وحلفائها , كما حدث للسوفيت من قبل , ولكن خاب الظن , فكثير من الأفغان كان مقدمة لجيوش أمريكا , ومن بعدها أقدمت أمريكا على غزو العراق سنة 2003م , وكنت قد أقدمت على عمل مشروع خاص أقضى فيه وقتى بعد دوام العمل الحكومى , وكنت أتابع الأخبار من خلال الإذاعة , فانتزعت خريطة العراق لأطابق عليها ما أسمع , كلما نظرت إلى الخريطة أتوسم فى اتساع أراضى العراق أن يحسن أهلها الدفاع عنها , ولكن للأسف رأيت تقدم أمريكا وحلفائها من بلدة إلى أخرى حتى سقطت بغداد , فقد كان للعملاء والخونة مفعول السحر .


وفى صيف عام 2006م هاجمت إسرائيل لبنان حرقت وقتلت ودمرت , ولكنها لم تنتصر , وانتزعت خريطة لبنان لأتابع المواقع التى ترد المقاومة اللبنانية الاحتلال عنها , وتعرفت منها على قرى الجنوب اللبنانى ؛ عيتا الشعب وبنت جبيل والناقورة وغيرها من القرى , ولكن مع نصر المقاومة أدمى قلوبنا حديث مفاده أنّ منا من لم يرد انتصارها , لسبب أو لآخر .


وفى 27 ديسمبر عام 2008م وفى الظهيرة تبدأ إسرائيل عدوانها على غزة , وانتزعت خريطة فلسطين لأتابع عليها الأحداث , وأنا أشعر بمشاعر لن أنساها ما حييت , أنا وغيرى من الناس , لم يكن للطعام طعم فى فمنا , ولم نرى فى الحياة بهجة ونحن نسمع ونرى كيف تقتلع أنفس الفلسطينيين بمنتهى السهولة , فتحية إلى كل المجاهدين المناضلين الذين دافعوا عن شرف الأمة , بينما كنا لا نملك إلا الدعاء لهم , كم كنا عجزة , ولكن من عجزنا استمدوا القدرة , ومن قلة حيلتنا استمدوا المهارة , وكم كانت سعادتنا بقدرتهم على إفساد مخطط إسرائيل , وغص فى حلوقنا أنه لم يكن مخطط إسرائيل وحدها , ولكن البعض منا أراد انتصار إسرائيل , وآسف أن قلت منا .


وهكذا كلما وقعت كارثة فى بلد عربى أو مسلم انتزعت خريطة , فمن الانقلابات شبه اليومية فى موريتانيا , إلى حصار السودان وحرب دارفور , إلى حرب الحوثيين ضد حكومتهم فى اليمن , إلى سعى المغرب الحثيث لاسترجاع سبتة ومليلة , ومعاناة الجزائر من التطرف , وجزر الإمارات المحتلة من إيران , والبحرين المهددة بالاستيلاء الإيرانى , وليبيا التى تلقت ضربة من أمريكا وحصار من العالم لها حتى العرب , والصومال التى مزقتها الحرب .
كل هذه الأحداث لم تبق لى فى أطلسى صفحة , فأطلسى تساقطت أوراقه , ووطنى تساقط فرسانه , ترى هل يمكن أن أمتلك أطلسًا جديدًا , أوراقه متماسكة , قوى متين ؟
أتمنى ذلك , ولكن من يضمن لى ألا أضطر لانتزاع أوراقه ؟
للتواصل معى alraia11@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق