غريب أن ترى شخص مثلى
يتحدث عن الديمقراطية , وهو الذى عاش عمره حتى ثورة يناير
دون يوم واحد من
الديمقراطية , ولكننى أتحدث عن الديمقراطية شوقا أن أراها فى بلادى ,
فمن الآليات
الديمقراطية أن تلجأ المعارضة إلى العصيان المدنى ,
وخاصة إذا استنفذت كل السبل
الممكنة للتغيير أو إحداث الحراك السياسى فى البلاد
وهذا ما يسمى بالانسداد
السياسى , وهذا ما لم يحدث فى مصر ,
فعلى سبيل المثال عند وضع دستور 2012 تم تحويل
العديد من سلطات رئيس الجمهورية
إلى الحكومة ممثلة فى رئيس الوزراء الذى أصبح
الحاكم الفعلى للبلاد
ولا يستطيع رئيس الجمهورية عزله أو التدخل فى سياسته ,
والأهم من ذلك أن رئيس الوزراء يأتى بعد انتخابات برلمانية ,
فإذا كانت المعارضة
غير راضية عن رئيس الجمهورية ولا عن الظروف التى جاءت به ,
فها هى الفرصة أمامها لتكوين
تحالف قوى تكسب به رأى الشعب
وتكسب أغلبية تسمح لها بتشكيل الحكومة وتطبيق
السياسات التى تراها مناسبة دون تدخل من الرئيس ,
وإذا لم يرض الرئيس بذلك فعليه
اللجوء للشعب الذى يقرر إما حل مجلس الشعب وهو سند الحكومة
وإما عزل رئيس
الجمهورية , وبالتحالف الذى جاء بالحكومة يمكن للمعارضة أن تطيح بالرئيس
ويأتى
الرئيس الذى يرغب به تحالف الحكومة ,
وكذلك تعديل المواد التى يراها واجبة التغيير
فى الدستور.
أرأيتم كم هى
الاختيارات والاحتمالات كثيرة ؟ وهذا
يتناقض مع وصف الحالة المصرية بالانسداد السياسى الذى يستوجب العصيان المدنى ,
فكيف نطالب بعصيان مدنى وأنا أمام انتخابات يمكنها أن تحدث التغيير ؟
وليس من الحكمة أن اعلن
مقاطعة الانتخابات التى يمكن أن تجعلنى الحاكم الفعلى لمصر تحت مبرر افتراض
التزوير مقدما , فماذا إذا كان الإشراف القضائى كاملا , والمنظمات المدنية مراقبة
, والهيئات الدولية حاضرة , والانتخابات أربع مراحل ؟ فاحتمالية الفشل لا ينبغى
لها أن تمنعنى من المشاركة , والممارسة السياسية تأبى هذا الفعل لأنه يؤدى إلى
إحباط مؤيديك وحرمانهم ممن يمثل فكرهم داخل المؤسسة التشريعة وإراحة لمنافسك الذى
يستفيد من غيابك .
ثم ماذا بعد المقاطعة ؟ يستمر العنف والتخريب ,
ومن الخاسر؟ أليست مصر؟
فبدلا من تخريب المنشآت ينبغى المشاركة فى العملية
الانتخابية والدخول إلى تلك المنشآت كحاكم
بدلا من حرقها كمتظاهر استفادة من
المبدأ الديبلوماسى ( الاستيلاء على حصون الأعداء لا أن تحرقها )
فما بالك وأنهم
ليسوا أعداء . بل شركاء فى الوطن رغم اختلاف التوجهات , فانا لا أريد أن أقع فريسة
لفرضية أن المعارضة تريد إطفاء الأنوار حتى لا يرى الحاكم ولا يحقق إنجازا يحسب له
فى ضمير الوطن ,
أو أن المعارضة مشغولة بتعطيل الحاكم أكثر من انشغالها بما تقدمه
للوطن, فأنا ما زلت أحلم بالديمقراطية لبلادى وأفترض الوطنية فى الجميع وأأمل أن
يستنفذ اتجاه جهده فى خمس سنوات (مدة البرلمان) ويأتى تيار آخر خمس سنوات لنستنفذ
فكره وجهده وآخر وآخر فتستفيد مصر من كل قدرات وجهود أبنائها ,
بقى أن نزيل أعراض
الانسداد الوهمى لننطلق إلى رحابة أفق الممارسة الديمقراطية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق