الجمعة، 7 مايو 2010

الـــمــقــهــى


شكلت المقاهي علامة بارزة فى المجتمع المصرى , ومفرد مهم من مفردات حياة المصريين , فالمقهى فى مصر أشبه بجامعة شعبية يتحدد مستواها بمستوى مرتاديها ومستوى الخدمة التى تقدمها , وتلونت ما بين الراقية وبين الشعبية .
والمقهى عند البعض ملاذ للهروب من هموم الحياة ومشكلات الأسرة والعمل , وعند البعض مكان تجمع الأصحاب ومتنفس للرجال يخرجون فيه مكنونات أنفسهم ومناقشة تجارب حياتهم , وعند البعض تعتبر جلسة ثقافية وفنية , وعند البعض أشبه بمنتدى سياسى , فتشكل هذه الأحاديث فى مجملها أرشيفاً حيّاً لتاريخ الشعب , فقد فرضت المقاهي نفسها وبقوة على الساحة الاجتماعية , وصار الكل يرتادها الكبير والصغير الغني والفقير العامل والعاطل , وتصدرت المقاهي أولويات المتقاعدين الذين وجدوا في الجلوس على طاولات المقاهي الصغيرة للعب الورق والطاولة أو الدومينو ملاذا جديدا لقضاء ساعات اليوم فينسون هموم الحياة خاصة وأن الشوارع التي تحتضن المقاهي تكون حية بالأصوات التي تتعالى جراء تجمعاتهم اليومية. وإيقاع الحياة السريع والضغوطات اليومية أصبحا يؤثران بشكل سلبي على العلاقات الاجتماعية , فتسارع عجلة الحياة وغلاء الأسعار وتغير الأوضاع ضيق الخناق على الناس فوجدوا متنفساً لحياتهم فى المقهى بعيدا عن أجواء المنازل ، والمقهى هو نافذتهم على الحياة يناقشون من خلالها الهموم ومشاكل الأبناء في إطار اجتماعي .والبداية كانت لقضاء وقت الفراغ ولكنها أصبحت مع الأيام عادة لا يمكننا أن نستغني عنها، فالتجمع في أحد بيوت الرفاق ليس بمتعة الجلوس على الطريق حتى ولو كانت إمكانيات المقهى بسيطة حيث مشاهدة العالم الخارجي وتبادل أخبار الأهل والأصدقاء .
والمقاهي القديمة تقتصر على بعض الأفراد الذين تتكرر وجوههم كل يوم وأغلبهم من الأهل والأصحاب , وتسمح بأخذ الراحة في الكلام والتعليق بصوت مسموع بعيدا عن هدوء المقاهي الحديثة التي تقتصر في بعض الأحيان على قراءة الصحف وشرب القهوة.

وأما عن تاريخ المقاهى فقد عرفت استانبول المقاهي منذ القرن الخامس عشر، ثم استلهمها الغرب من الأتراك، فانتقلت إلى البندقية ثم باريس ولندن ثم روما .
فالأوروبيون عرفوا
المقهى لأول مرة بعد عام 1683م عندما انسحب الجيش التركي وأنهى حصار فيينا عاصمة النمسا ، وترك خلفه كميات كبيرة من القهوة التي كان يستخدمها الجيش التركي، وقد بقي في النمسا أحد الجواسيس الذي كان يعمل للأوروبيين بين الترك، ولما خيّروا الجاسوس في نوع المكافأة التي يطلبها لإنقاذهم من عدوهم اختار القهوة وأعطوه معها مبنى كبيرا كان هو أول مقهى في النمسا وأطلق عليه “بلو كيف” أى الزجاجة الزرقاء.
ويقال إن أول مقهى أقيم في ميناء فينيسيا الإيطالي عام 1645م ، ثم بدأت بالانتشار في جميع أنحاء أوروبا. وفي القرن التاسع عشر بدأت المقاهي بالانتشار بفيينا أو ما يسمى ببيوت القهوة ( أو قصر القهوة ) التي صارت تقدم لعامة الناس بعد ان كانت مقتصرة على أفراد الطبقة العليا , ومعظم هذه المقاهي عبارة عن مبان فخمة او قصور حقيقية بعضها مخصص للأدباء والآخر للموسيقيين وآخر لعلية القوم . وأشهر مقاهي فيينا مقهى لاندمان الذى عرف إبان أيام الحرب الباردة وكان ملتقى الجاسوسية بين المعسكرين وحاليا أصبح المقر المفضل للسياسيين والصحافيين لموقعه الممتاز قرب مقار الأحزاب لذلك يعتبر من انسب الاماكن لعقد المؤتمرات الصحفية , ويعود افتتاح هذا المقهى لعام 1873 م.

وانتشرت بعدها المقاهي في شوارع المدن الأوربية وكثيرا ما اضطرت السلطات الأوربية إلى إغلاق تلك المقاهي لمنع التجمعات والنقاشات الحادة التي كانت تدور فيها والتي كثيرا ما تنتهي بمظاهرات صاخبة ضد الدولة ورأت السلطات في تلك المقاهي أوكارا لتدبير المؤامرات والنشاطات المشبوهة. وقد أراد شارل الثاني أن يغلق المقاهي في إنجلترا لأنها "مصدر للمشاغبات السياسية ومركز لتحريض الشعب ضد الحكومة ومنبع للحركات المخلة بالأمن".

ولقد تسببت المقاهي التي لم تكن قاصرة على شرب القهوة بإزعاج الأمراء والملوك الذين نظروا إليها في البداية على أنها أوكار السفلة والرعاع على إنفاق أموالهم وإضاعتها، فأمر ملك بافاريا بإغلاقها، وفي باريس كانت المقاهي تجمع في البداية المُجَّان فتتعالى أصواتهم ويتسببون بالضجيج، فازدراها المترفون والعلية ، ثم ابتكر أحدهم مقهى خاصاً لهذه الطبقة، وكان روسو يحضر هذه المقاهي ويخوض في نقاشات مع بعضهم، وكتب مرة عن عجرفتهم وتفاهتهم فتآلبوا ضده ووشوا به بعد كلمات فاه بها، تنال من الكنيسة والملك فهرب من فرنسا. ولقد أسهمت المقاهي في رفع الوعي للمجتمعات الغربية وخصوصاً في باريس و لندن ، ففي بدايات القرن الثامن عشر بلغت مقاهي لندن أربعمئة مقهى، وفي تلك الفترة كانت القاهرة قد شهدت افتتاح أول مقهى، واضطر الفرنسيون في فترة احتلالهم لسورية أن يغلقوا مقاهي دمشق لأنها كانت مركزاً للتحريض ضد الاحتلال.
والمقاهي التي نرتادها في بلادنا لايمكن أن يكون لها التأثير نفسه الذي كان للمقاهي في أوروبا في القرن الثامن عشر، لأن وسائط نقل المعرفة والتأثير الحديثة أحدثت انقلاباً كبيراً، وتسببت بانحسار دور الصحافة المقروءة فضلاً عن غيرها، لكن المقاهي في الأساس كانت للترفيه والتسلية والتخفيف من ضغط العمل ومكاناً للتعرف والثرثرة , ونقطة للالتقاء ومكاناً لاصطياد الأدباء والمثقفين والفلاسفة، واليوم لم يعد للمقاهي تلك الأدوار، مع أن مايقام فيها من أنشطة ثقافية وقراءات للكتب لايمكن أن نجد بعضه في مقاهي الشرق
وقد عرف العرب المقاهي منذ عام 1750، حيث انتشر فيها شرب القهوة وأصبحت فيما بعد ملتقى الأكابر وانتقل إليها الحكواتي ، وتطورت مع العديد من الأحداث والتحولات السياسية التي مر بها الوطن العربي صورة المقهى من حيث كونه منبراً لكل الأفكار ومختلف الآراء ، وفي بعض البلدان العربية أُغلق العديد من المقاهي في فترات الاضطرابات السياسية كونها كانت منبرا لحشد الرأي العام. وفي أول ظهور لهذه المقاهي كانت بلدان مثل مصر والعراق وبلاد الشام مسرحاً لنشأة المقهى الثقافي في الأربعينيات من القرن الماضي، كما نشأت تباعاً الكثير من المقاهي في دول الخليج العربي وفلسطين والأردن ، إضافة إلى الكثير من الصالونات الثقافية والتجمعات الأدبية والتي استطاعت أن تكون محضن لحركة وعي عربي في مختلف المجالات ، ومركز إشعاع ثقافي وفكري .
والمقاهي كانت تعطي طابع الخصوصية والعموم في آن واحد، فهي تسمح للفرد بالانعزال ولمجموعة محددة دون غيرها بالالتقاء، وهي في الوقت نفسه مفتوحة للوجوه الجديدة والفضوليين والمعجبين وكسب الأتباع، لهذا كانت المقاهي تجمع إلى القهوة أشياء أخرى يتلهى بها الزوار كالشطرنج، وفي الشرق كان الحكواتيون يعمرون ليالي المقاهي, ومن منا ينسى شاعر الربابة , والمطرب الذى يجلس فى المقهى يقدم فنه.


وفي بدايات القرن العشرين ، كان المقهى أو 'الشاي خانة' وفق التسمية التركية، هو مكان تجمع الرجال في المدينة، للتسلية أولاً وتبادل الهموم والآراء ثانيا، مكاناً للتجمّع والحوار. وفي تلك المقاهي ظهرت الأشكال الأولى للفرجة البصرية، من 'الحكواتي' ومن ثم استقبلت المقاهي فى بعض البلاد العربية العروض المسرحية ومثل عروض 'أبو خليل القباني'. و العروض السينمائية الأولى الصامتة ثم الناطقة. فكان المقهى بذلك يمثل المنبر الثقافي لذلك العصر، وقناة الاتصال الأساسية قبل أن تعمر المسارح وتُبنى دور السينما، وقبل اكتشاف التلفاز . فتراجع الدور الثقافي والفني للمقهى فترة من الزمن، إلى أن بدأت بعض المقاهي تستعيد شيئاً من وظائفها المهدورة وفعاليتها الاجتماعية الضائعة ، وتحوّلت بعض مقاهي دمشق إلى منتديات للثقافة والفن بالتوازي مع تقديم المشروبات ، كما تكنت أغلب المقاهي بتسمية 'الكافيه' الغربية.

وفي منتصف خمسينات القرن العشرين ازدهرت المقاهي الشعبية وتطورت فاعلية الجلوس فيها إلى نمطيات إنسانية في مجالات متعددة منها الفنون الموسيقية والغناء، حيث اتخذ مطربو المقامات ومادونهم من المقاهي ملاذاً لفعالياتهم الفنية، فيما اتخذ الأدباء والصحفيون المقهى ملاذاً لنقاشاتهم وقراءاتهم، فصار لكل مجموعة أصوات أدبية أو فنية مقهى خاص تتردد عليه فئة محددة دون غيرها باستثناء الاستضافات التي قد تحصل بين الفينة والأخرى. كان التقليد يقضي بقيام الفئة الفنية أو الأدبية الاحتفاء بالضيف الزائر من خلال تكريس الحديث في تلك الجلسة معه دون غيره .

وظهر مصطلح المقهى الثقافي حيث يجتمع المثقفون أو الفنانون في هذا المكان, فقد تجاوز الجلوس على هذه المقاهي مجرد احتساء فنجان من القهوة إلى تعاطي الفكر والثقافة ، حتى باتت أشبه بمنتديات أدبية وصالونات فكرية ، تضم مختلف شرائح المجتمع . ويعد المقهى الثقافي أحد صور التطور والتغير التي طرأت تاريخياً على الصورة النمطية للمقهى الذي كان دخوله عيباً من وجهة نظر البعض حيث يرتاده العاطلون عن العمل وأرباب السوابق ، إلى أن أصبح قبلة رجال الفكر والإعلام ، والأدباء والشعراء ، وصارت هناك الكثير من المقاهي في العديد من الدول العربية التي تعرف بنوعية مرتاديها فهذا مقهى الصحفيين ، وهذا للأدباء والشعراء ، وثالث للفنانين وغير ذلك .
وتعد مقاهي القاهرة الثقافية هي الأبرز من حيث شهرتها عربياً وارتباطها بكتاب وأدباء كبار مثل مقهى (ريش) الذي كان يحضر فيه نجيب محفوظ، ويتشابه اسمه مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن، وتسمى "كافيه ريش". وكما هو الحال بالقاهرة توجد في مدن بنزرت بتونس وقسنطينة بالجزائر والدار البيضاء بالمغرب مقاهٍ تحمل اسم "ريش"، وتتشابه مع مقهى القاهرة وباريس في كونها تقع في أحد الميادين الكبيرة وبنفس طراز المعمار والديكور والوظيفة أيضا.
وقد استطاع المقهى على مدار تاريخه ومعاصرته للعديد من الأحداث أن يلعب دورًا هامًا وبأشكال عدة، وأن يكون القاعدة التي تنطلق منها الحركات الوطنية. فقد كان المقهى مكانًا تكتب فيه المنشورات والمطبوعات أثناء ثورة 1919م التي قادها سعد زغلول ، وعلى نفس المقهى جلس الزعيم جمال عبد الناصر يحتسي القهوة، ويعد لدوره في ثورة يوليو، كما كانت جزءًا من حياة شاب عراقي جاء يدرس بالقاهرة وهو الرئيس الراحل صدام حسين، وكان يرأس المكان الذي يتجمع فيه اللاجئون السياسيون مثل الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي وقحطان الشعبي وعبد الفتاح إسماعيل رئيس جمهورية اليمن الشعبية السابق.
ومن المقاهي الثقافية "مقهى الفيشاوي" الشهير بحي الأزهر العريق بالقاهرة, فعلاوة على أنه يعد من أقدم مقاهي القاهرة، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797 م ، وأصبح أكثر شهرة وبريقا بفضل إقبال رواد في مختلف المجالات منهم جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والرئيس الجزائري بوتفليقة والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، وعمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الذي اصطحب معه عددا من وزراء الخارجية العرب ، والدكتور بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ، والعالم المصري الحائز على جائزة نوبل الدكتور أحمد زويل .
ويمكن القول أن المقاهي الثقافية لعبت دورا كبيرا في إثراء الحياة الأدبية والفنية حيث كانت مركزًا للعلوم ولإنشاد الشعري لرواة الملاحم الشعرية، والإنشاد الديني والمدائح النبوية في المولد النبوي الشريف، والعديد من المناسبات الدينية، ويرتادها ولا زال الأدباء والفنانين والشعراء، والموسيقيين .
وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ جمال الدين الأفغاني كان يلتقي مع تلاميذه ومريديه على مقهى البوستة بميدان العتبة الخضراء بالقاهرة، كما اشتهرت مقاهي حي الأزهر بالعلم حيث كان يرتادها العلماء والمشايخ، وكانت تعد أسواقًا لبيع الكتب ، كما كان الخطاطون والنساخون يتخذون من المقاهي مكانًا مفضلاً لهم قبل اختراع الطباعة يحترفون فيه حرفة نسخ الكتب الدينية والأدبية، ويكتبون المصاحف ، وقد ظهر من هذه المقاهي عدد من الموهوبين في الرواية والقصة القصيرة والشعر .
وشهدت المقاهي بشكل عام تطوراً كبيرا ، وباتت تساير متطلبات العصر، فمن محال كانت مقتصرة في بداية ظهورها على تقديم المشروبات لمرتديها، إلى أماكن تساير العصر وتقدم بجوار المشروبات خدمة تصفح الإنترنت وتسمى نفسها "نت كافيه" تماشيا مع العصر, ومن مركز للتسلية والترفيه وتدخين الشيشة (النارجيلة)، ولعب الكوتشينة (ألعاب الورق) والطاولة، يرى الكثيرين من الأجيال الشابة في المقهى استادا رياضياً لمتابعة مباريات كرة القدم على الهواء مباشرة ، وبرلماناً حراً لتبادل الآراء والأفكار والمعلومات بين الأصدقاء ، وأيضا شهد المقهى لديهم تحولا كبيراً حيث صار مركزا لعقد صفقات البيزنس ولقاءات رجال الأعمال والسماسرة ، كما أصبحت وجهة المدونين ونشطاء الإنترنت
مقاهي الانترنت ظهرت حديثاً، وانتشرت في المدن الكبيرة انتشاراً هائلاً فاق ما ماحققته المقاهي الشعبية من نواح عديدة .
ومقاهي الانترنت تفردت بحالة واحدة عن المقهى الشعبي بكونها تستقبل زبائن من أنواع خاصة ، لا يلتفت أحدهم إلى الآخر , بعيدين عن الثرثرة ، بعيدين عن لعب الطاولة، إذ إن رواد مقاهي الانترنت هم رواد صامتون، منعزلون داخل مكعبات صغيرة لا يزيد حجم الواحدة منها بأكثر من متر مربع واحد , يتعاملون مع شاشة الكمبيوتر وفق حالة مزاجية خاصة أو وفق تأملات طويلة يقضونها بالتحديق فيما تظهره لهم الشاشات. وهنا نتساءل هل هذا النوع من المقاهي الحديثة بإمكانها الصمود أمام تاريخ وتقاليد المقاهي الشعبية التي أسست لها قاعدة عريضة من الزبائن الدائمين عبر أزمنة طويلة؟
فالزبائن غير زبائن المقاهي التقليدية ، فالمقاهي التقليدية في المائة عام الماضية لم تكن لاستقبال السيدات أو الفتيات للجلوس بها أو ممارسة حياتهن كما يفعل الرجال، و قد اختلفت الصورة بالقاهرة والإسكندرية وبدأت تتلقى الفتيات مع بدء افتتاح مقاهي الانترنت.
وأهم خدمات الانترنت التي يبحث عنها روّاد المقاهي هي بلا شك، خدمة إقامة اتصالات مباشرة بالصوت والصورة مع أقارب وأصدقاء في الخارج. ومن المألوف والعادي في هذا المجال رؤية عائلة بكل أفرادها، تأتي إلى مقهى الانترنت من أجل إقامة هذا الاتصال مع أحد أبنائها، خصوصاً من العاملين في دول الخليج.

لكنّ معظم روّاد هذه المقاهي شباب تحت سن الثلاثين، يجلسون أمام أجهزة الكومبيوتر لساعات طويلة، بينما كانوا في ما مضى يمارسون هوايات أخرى مختلفة تماماً.
يبقى أن الجميع اتفقوا على أن المقهى هو المقهى , لاشك أن مقهى أيام زمان له طقوسه حيث اشتهرت مدينة القاهرة كغيرها من المدن المصرية بكثرة مقاهيها الشعبية ولكن بعد انتشار مقاهي وصالات الانترنت في السنوات القليلة الماضية والتي بدأت تستقطب شرائح واسعة ومتنوعة من الأهالي، بدأت الشيخوخة تزحف إلى المقاهي التقليدية ولكن هناك مقاه لازالت تحافظ على أصالتها بل وتنامت الحركة فيها خصوصاً في المناطق السياحية كمنطقة الحسين. والسنوات الأخيرة يصح أن يطلق عليها في مصر اسم «سنوات الإنترنت بامتياز» خصوصاً مقاهي الإنترنت. ولم تعد هذه الظاهرة تقتصر على القاهرة والمدن الكبرى، بل انتشرت في شتّى أنحاء البلاد وصولاً إلى أصغر القرى، لتصبح المتنفّس الشبابي الفعلي والرئيسي.
وتبقى أخطر سلبيات المقاهى أنها كانت مكاناً لتعاطي الشيشة وكان ذلك سبباً في اعتبارها مجمعاً للرذيلة ورقة الدين.
أضف إلى ذلك ما تحمله مقاهي الشباب من سلوكيات خاطئة بدأت تنتشر بدون رقيب فتكاثر الشباب على المقاهي وجلوسهم يدخنون الشيشة على أرصفة الشوارع دون أن يشعر البعض بمرور الصلوات في المساجد المجاورة، أو بحاجة الأسرة والأبناء لهذا الوقت بدل أن يمضوه في البحث عن الراحة الشخصية , والغالبية تغيب عنها الأهداف وتجهل التخطيط ، ويصبح الخروج لديها عادة بلا غاية .

ولكن تنامي هذه الظاهرة بين بعض الرجال وزيادة ساعات الجلوس على مقاعد المقاهي إلى جانب ابتكار أصحاب المقاهي خدمات جديدة للترفيه عن الزبون وللبحث عن عدد أكبر منهم جعل بعض المقاهي تأخذ بعدا اجتماعيا جديدا سبب مشكلات اجتماعية غيرت من نظرة المجتمع للمقاهي بعد أن كانت تشكل مجالس لمشاهدة المباريات العالمية المشفرة ومكاناً للحديث عن هموم العمل والتجارة ومتنفساً لمناقشة أحداث المجتمع ومستجداته.

وزاد إقبال الشباب على «المقاهي» خاصة الشباب الذين تتراوح أعمارهم مابين السابعة عشرة إلى الثالثة والعشرين، وهذا نذير سوء، إذ أن في تجمع الشباب في تلك الأماكن من المفاسد ما لا يخفى على أحد.

فالشيشة (المعسل) الضيف الدائم في تلك المقاهي فأضرارها الصحية والنفسية معروفة، وقد أفاض الأطباء في الحديث عنها بالإضافة إلى الإخلال بالأمن ونشر الفوضى والفساد في المجتمع، فالشاب يضيع دراسته من أجل الذهاب إلى تلك المقاهي، ويقضي فيها الساعات الطوال التي تعود بالوبال والدمار على مستقبله وتحصيله، فيصبح عالة على مجتمعه ووطنه.وهذه المقاهي تستنزف أموال مرتاديها وتستذلهم ، فيلهث الشاب من أجل تحصيل مبالغ مالية ينفقها فى المقاهي، فيضطر أحيانا إلى التحايل على والديه وأقربائه وأحياناً يضطر إلى السرقة من أجل الاستمتاع مع الزملاء في تلك الجلسات.أضف إلى ذلك مايتعلمه الشاب ويتلقاه ممن يرتادون تلك المقاهي من متدنى الحالة الثقافية والخلقية ، مما يجعل الشاب يقع فريسة سهلة لأطماع هؤلاء المفسدين , والكل يدرك ما لتسكع الشباب في تلك المقاهي وركونهم إليها دون البحث عن عمل- حتى لو كان بسيطاً في البداية- من أثرٍ خطير على أمن البلاد والعباد، وأقسام الشرطة ودور الأحداث تقدم قصصاً يندى لها الجبين مما تفعله تلك المقاهي. فلهذه المقاهي النصيب الأعظم في إحباط الشباب وإضعاف مستوياتهم الخلقية والعلمية، فبعد أن يدخل الطالب إلى الحياة الجامعية يُحسُّ بنوع من الحرية لم تكن مألوفة لديه في السابق، فيخرج كل يوم إلى تلك المقاهي التي تمدُّ ذراعيها وتفتح أبوابها على مصراعيها لاستقبال زبائنها- ضحاياها- في أيّ وقت ليلاً أو نهاراً صيفاً وشتاءً. فهل يعقل أن تهدر أموالٌ طائلة على مقاهي لاتفيد المجتمع بشيء، ولاترتقي بشبابه بل تجلب لهم المضرة؟!وقد احتج علماء الدين على المقاهي لأنهم رأوا فيها وسائل لهو تصرف الناس عن الصلاة والعبادة.

هناك تعليقان (2):

  1. مقال راءع ما شاء الله بارك الله فيك.. انا اقوم ببحث عن تاريخ المقاهي كيف بدأت و كيف انتشرت، اشكرك على هذه المعلومات و التحاليل.. و ارجو ان تمدني بأكثر معلومات لو عندك فكرة و شكرا.. hager.belkhir@gmail.com هذا بريدي الإلكتروني لو اراد احدكم مساعتي ‎:)‎

    ردحذف