الأحد، 27 مارس 2011

الاستقلال الثانى

فى حقبة الخمسينات من القرن العشرين شهد العالم العربى            
قيام حركات للتحرر من الاستعمار الغربى الذى سيطر على هذه البلاد سنوات طويلة , وتمتع العالم العربى بحكم النخب الوطنية ,
ودخل فى مرحلة اختبار حول مدى إمكانية هذه الشعوب حكم نفسها ,
 وكان من الطبيعى أن تتجاذب هذه البلاد العديد من نظم واتجاهات الحكم ,
منها الملكى ومنها الجمهورى , ومنها الدينى ومنها العلمانى ,
ومنها المدنى ومنها العسكرى , ومنها الرأسمالى ومنها الشيوعى ,
وصاحب كل هذا ظاهرة الانقلابات العسكرية , والكل استبعد خيار الديمقراطية ,
 وتعلل بأن شعبه غير مؤهل لممارسة الديمقراطية لسبب أو لآخر ,
 وتعلل البعض بكونه مستهدف من قبل الصهاينة ,
 الكل رفع شعار أن المرحلة تتطلب الديكتاتور العادل ,
 أوهموا أنفسهم قبل شعوبهم أنهم دكتاتوريون عادلون ,
وفاتهم أنهما لا يجتمعان ؛ الديكتاتور والعدل , فما أصدق مقولة :
 السلطة المطلقة مفسدة مطلقة .

وإذا تأملت إنجازات كل الدول العربية مجتمعة طوال خمسن عاما تشعر بالألم والحسرة , ماذا قدمت للبشرية , للإنسانية , لديننا , لله ؟

إنه اللاشىء , بل اللاشىء الأعظم .

وماذا كنتم تنتظرون من شعوب مقموعة , مقهورة ؟

ماذا كنتم تنتظرون من شعوب قصد حاكمهم إفقارهم وتجهيلهم وإنهاك قواهم ؟

كل الشعوب العربية كانت تشاهد أوربا الشرقية منذ أكثر من عشرين عاما وهى تتحرر بعين الحسد دون أن تحاول أن تستلهم هذه التجربة لأسباب :

1- كانت معظم أنظمة الحكم فى العالم العربى حينئذ شابة وفتية .

2- كانت دولة الصهاينة فى قمة منحنى تفوقها وقوتها , فمن سيطالب بتغيير نظام حكم بلاده والصهاينة يتحينون الفرصة لزيادة رقعة مساحتهم ؟

3- تحكم القادة العرب فى وسائل الإعلام , فتحكموا فى عقول شعوبهم وطموحاتهم , فلم تخرج الشعوب عما رسمه لها الحاكم .

4- غياب النموذج العملى الذى تقتدى به الشعوب العربية فى الخلاص من الحاكم المستبد.


ولأن هذه الأنظمة قد شاخت ولم تجار حركة التطور الموجودة فى العالم كله
و تقوقعت على نفسها , ولأن دولة الصهاينة فى تراجع وانحطاط لم يسبق له مثيل حتى أنها لم تستطع فرض إرادتها على جماعة صغيرة مثل حماس فضاعت سطوتها , ولأن وسائل الإعلام خرجت عن سيطرة الحاكم الملهم , وأصبحت السموات مفتوحة , وشبكة الإنترنت متوفرة ,
فأصبحت وسائل إعلام الحاكم الرسمية تعانى قلة من يتابعها ,
وندرة من يتأثر بأخبارها ,
ولأن النموذج العملى للخلاص من الحاكم المحلى المستبد قد توفر ألا وهو تونس ,
 فقد تهيأت الظروف وبات حتميا بداية ما أسميه مرحلة الاستقلال الثانى ؛
فإذا كان الاستقلال الأول مان من الحتلال الأجنبى ,
فإن الاستقلال الثانى يكون من الحاكم المحلى المستبد ,
وهو أكثر وحشية من الاستعمار الأجنبى .

بدأ الأمر فى تونس فلها السبق والريادة فى مرحلة الاستقلال الثانى ,
وكانت مصر تشاهد الأحداث فى تونس وهى تشعر بالخجل من نفسها ,
حيث شعروا بأنهم كانوا أولى بالمبادرة لأنهم قادوا فى الماضى
مرحلة الاستقلال الأول ومن ناحية أخرى لكثرة عددهم ,
ولكن شاء شعب تونس أن يدخل التاريخ من الباب الواسع ,
 فرفض المصريون أن يكون بينهم وبين تونس فاصل , فساروا على الدرب ,
ووصلوا إلى الغاية , وأبى الليبيون إلا أن يصلوا ما بين تونس ومصر حتى تصبح ساحة الحرية متصلة ,
وعبرت الفكرة البحر الأحمر لتستقر فى جنوبه ويهب اليمنيون لتحقيق طموحاتهم , وجميع هذه البلاد تشترك فى طول فترة بقاء الحاكم المستبد حتى أنه اتجه لتوريث ابنه , ولم لا وقد تعب الرجل من الحكم ,
 فعلا فنحن شعوب متعبة , فلماذا يتمسكون بحكمنا مادمنا متعبين ؟

وهذه الدول الأربعة يجمعها أيضا وحدة المطلب وهو سقوط النظام ,
وليس أقل من ذلك , بينما كانت التظاهرات فى بلاد أخرى كانت على استحياء تطالب بإصلاحات سياسية وحقوق اجتماعية واقتصادية ,
مثل الجزائر والمغرب وموريتانيا والأردن وسلطنة عمان والعراق .

وفى الخليج العربى كان الصيد فى الماء العكر , حيث أرادت إيران الاستفادة من الوضع فى العالم العربى , ودفعت شيعة البحرين دفعا للعمل على إنشاء دولة شيعية فى البحرين , وفى شرق المملكة العربية السعودية سار الأمر من الشيعة على أن يدخلوا السعودية فى جملة البلاد المعنية بالتغيير .

والآن تدخل سوريا إلى واجهة الحداث دون أن ترفع شعار إسقاط النظام , ولكنه مطلب يقفز قفزا من أعينهم دون أن تبوح به الألسن , فهم شعب عانى كثيرا من الحكم الشمولى القهرى لحزب البعث واليزيديين العلويين بمساعدة إيران , ولهذا فأنا أضمهم إلى المطالبين بإسقاط النظام .


وبهذا نكون أمام أصناف ثلاثة :

1- المطالبون بإسقاط النظام : تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا .

2- المطالبون بإصلاحات وحقوق : الجزائر و المغرب و موريتانيا وسلطنة عمان والأردن و العراق .

3- أصحاب النزعات الطائفية : البحرين والسعودية .


فمن تبقى من العالم العربى ؟

تبقت الكويت وقطر والإمارات , ولبنان وليس عجيبا أنهم جميعا ماعدا لبنان دول خليجية تتمتع بميزانيات ضخمة , ووضع اقتصادى متميز ,
ولكن الأهم أنهم يتمتعون بقدر من الحريات على الرغم من أنهم ليسوا
دولا ديقراطية بمعنى الكلمة وإن كانت الكويت قد 
 خطت خطوات كبيرة فى الممارسة الديمقراطية .

ورغم أنهم دول الحكم فيها وراثى إلا أن الحكم فيها مستقر ,
ولا يثار فيها ما يثار فى غيرها من دول صندوق الانتخابات من
إهدار لحقوق الإنسان , أما لبنان فى دولة الديمقراطية
المفروضة عليهم بسبب الاحتقان الطائفى , وهذا من عجائب الأمور
أن يكون الشعب مجبر على الديمقراطية .


والغريب فى مرحلة الاستقلال الثانى أن الحركة تبدو تتابعية فما تكاد تنتهى
 فى بلد أو تقارب على الانتهاء حتى تبدأ فى بلد أخرى ,
وكأن الشعوب تفسح لبعضها حتى تكون على بؤرة الأحداث ومتابعات
 وسائل الإعلام , فتأخذ نصيبها من الاهتمام الذى يجذب تعاطف باقى الشعوب معها , وحتى يستفيد الشعب التالى من أحداث ومنهج الشعب السابق ,
فلم يعد غريبا أن نسمع الهتافات نفسها أو بعد تحريف بسيط لها فى بلد بعد آخر .


ويبقى التسؤل : هل سيكتمل الاستقلال الثانى كما تم الاستقلال الأول ؟

























































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق