الثلاثاء، 29 مارس 2011

صناعة الفراعين

عندما تتأمل تاريخ الشعب المصرى تجده مملوء بالثورات
 وحركات التحرر على فترات , فأنا لن أستشهد بثورتهم على
حكم الهكسوس ولا بثورتهم على حكم الفرس لهم ,
ولا بمحاولات سيدنا موسى ليخلصهم من فرعون وجنوده ,
ولا بسعى الفراعنة للتخلص من حكم اليونانيين والرومان ,
ولا بمحاولاتهم للتخلص من حكم الفاطميين والمماليك
ولكنى سأكتفى بثورات العصر الحديث .
وأولى ثورات العصر الحديث تلك التى أتت بمحمد على باشا
واليا على مصر تحت مظلة الدولة العثمانية ,
تلك الثورة التى ظهر فيها الشعب المصرى لأول مرة فى تاريخة
وهو يختار حاكمه وإن كان من غير المصريين ,
وفى هذه الثورة شعر المصريون بالروح الوطنية والقدرة على لتغيير ,
وعرفوا أن بإمكانهم فعل هذا التغيير .

ولم يدر بخلدهم وهم فى غمرة النشوة والفرح أن حاكمهم الذى اختاروه
سيتحول إلى مهيمن وقاهر لإرادتهم حتى وإن أسس دولة حديثة ,
ولا أعتقد أبدا أنه خطر ببالهم أن أسباب ثورتهم سوف تعود مرة أخرى .

وهذا نفس الشعور الذى يجتاح مصر الآن بعد ثورة 25 يناير ,
فهل ستتشابه النتائج كما تشابهت المقدمات ؟

لقد سهل أحفاد محمد على دخول الإنجليز إلى مصر ,
فثار عليهم الجيش بقيادة محمود سامى البارودى وأحمد عرابى ,
ولكن الثورة أجهضت .

وخرجت مصر كلها خلف سعد زغلول ورفاقه عام 1919م
فى محاولة لإثبات الوجود , واقتناص فرصة للتحرر من الاستعمار ,
وكان المشهد رائعا بحق , تجلت فيه كل صور الوطنية ,
تماما كما حدث فى 25 يناير , ورضخ الانجليز للثورة كما رضخ حسنى مبارك ,
 ولكن التحرر من الإنجليز لم يكن مكتملا ,
 وعرف الملك كيف يجهض التيار الوطنى لصالح الإنجليز ,
فهل يا ترى ستتشابه النتائج كما تشابهت المقدمات ؟
 وهل مكتوب على هذا الشعب ألا يهنأ بثوراته التى يقدم فيها أبناءه ثمنا للحرية ؟

وعندما قام الجيش بثورته عام 1952م والتف الشعب حوله ,
وكان الشعب يأمل بتسليم الحكم للمدنيين ,
ولكن الجيش استمرأ السلطة وتشبث بها , ولم يلتفت لأمانى الشعب ,
وأصبح الشعب أسيرا لدى الثورة عشرات السنوات ,
 وبات حكم مصر مقصورا على رجال الجيش ,
وحرمت مصر من الاستفادة من الكثير من عقول أبنائها لعشرات السنين.

وعلى عكس هذه المقدمات جاءت ثورة 25 يناير ,
فالشعب هو الذى قام بالثورة , ثم أيده الجيش وحماه ,
وتعهد بتسليم السلطة للرئيس المنتخب ,
وهذه سابقة ستدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة التاريخ من الباب الواسع .

وفى كل هذه الثورات كان الشعور الشعبى جارفا حالما بانتهاء القهر
والظلم والحرمان , ولكن يصاب هذا الشعب دائما فى حاكمه الذى سرعان
ما يتسلط ويتخلص من معارضيه , ويجد من الشعب من يعبد له طريق
 الديكتاتورية والسلطة المطلقة .

حتى الرئيس السادات الذى بدأ حكمه بثورة تصحيح لمسار ثورة يوليو 1952م ,
 أنهى حكمه بسجون ممتلئة بالعقول المفكرة قبل أن يغتال .

وكل هذا يدفعنا إلى أن تساءل عن إمكانية كون فرعون المذكور
فى القرآن الكريم ليس مجرد شخص وإنما هو حالة ترتبط بطبيعة
 الشخصية المصرية التى تستعذب فرعنة حاكمها ,
وتعطيه قدرا من التبجيل تجعله هو نفسه يعتقد فى نفسه
التفرد والسمو على الشعب , ويجد لأهوائه استجابة لدى الشعب ,
وربما لهذا لم يذكر القرآن اسم فرعون واكتفى بلفظ فرعون للدلالة
على هذه الظاهرة المصرية التى تكررت على مدى تاريخ مصر .

ونحن من المحظوظين الذين عاصروا قيام ثورة تعمل على إزالة نظام وإنشاء
نظام آخر , وهذا لم يتوفر لأجيال عديدة , ومن حظنا أننا سنشهد
وجه الحاكم الجديد الغض بعد الثورة قبل يكتسب خبرات الفرعنة ومستلزماتها ,
ومن حظنا أننا سنشهد خطواته الأولى التى سيكون فيها
حاكما عاديا يجد من يقول له أخطأت وفاتك الصواب ,
 وكذلك سنشهد من سيقطرون له من أطراف اللسان حلاوة ,
ويقلبون له الحق باطلا , ويصورون له لعثماته بلاغة , وخطرفاته منطقا ,
وبطئه حكمة , ولكننا لن نتركهم بفعلهم ,
 وعلى الشعب كله أن يكشف زيفهم ونفاقهم ,

يجب أن نعمل جميعا على تحطيم آلة صنع الفراعين التى برعنا فى استعمالها
 والتحكم فيها عن بعد , بالله عليكم يا شعب مصر كفانا فراعين .

هناك 3 تعليقات:

  1. ان شاء الله لا فراعين فى مصر بعد 25 يناير

    ردحذف
  2. ماهر إبراهيم جعوان29 مارس 2011 في 4:43 م

    يجب أن يستيقظ الشعب المصري ويتابع هذه المرحلة بجد واجتهاد ووعي سياسي كبير وان يكون يقظاللثورة المعاكسة لرغبات المصريين كفانا فراعين وطواغيط فيجب ألا يسمح الشعب بذلك بعد الآن لاسيما بعد تلك اليقظة الفكرية والسياسية وذلك الحراك الدائم هذه الأيام

    ردحذف