السبت، 26 ديسمبر 2009

مصر والجزائر وورقة التوت

وسقطت ورقة التوت الأخيرة التى كانت تغطى عورات العلاقات بين الشعوب العربية , فأصبحت مكشوفة للجميع , ولكن هل سألنا أنفسنا من الفاعل ؟ من الذى سمم بعثة الفريق القومى المصرى فى الجزائر , ومن الذى دفع جمهور الجزائر يحتشد خارج فندق البعثة ويطلق آلات تنبيه السيارات طوال الليل ؟ ومن الذى شحن المصريين ليرموا أتوبيس اللاعبين الجزائريين بالحجارة فى القاهرة ؟ ومن الذى أطلق كذبة أن هناك قتلى جزائريين فى القاهرة ؟ ومن الذى حرض شعب الجزائر على الاعتداء على الأفراد وممتلكات الجالية المصرية فى الجزائر ؟ من الذى أهان العلم المصرى بكل الأشكال والطرق فى الجزائر؟ ومن الذى حرض على اعتداء جماهير الجزائر على جماهير مصر فى السودان ؟
إنه الإعلام غير المسئول , لقد بالغ الجزائريون فى حادثة إلقاء الحجارة على أتوبيس اللاعبين فى القاهرة , وبالغوا فى التعدى على المصريين سواء فى الجزائر أو السودان , كما بالغ المصريون فى تصوير حادثة السودان ربما للتغطية على الفشل فى الفوز بالمبارة , أو لتقصير البعض فى توفير الحماية , ولا ننكر أن علاقات مصر والجزائر الرياضية غير جيدة ومشحونة دائما , ونعلم أن الجزائريين يسيئون معاملة المصريين فى المباريات دائما , والمصريون يتحملون, ولا يريدون إحداث الأزمات , ولكن ما الجديد ؟ الجديد أن الجزائر جاءت مصر بسيناريو معد مسبقا , وأن مصر وقعت فى الفخ الذى نصب لها بدهاء , رغم تغاضيها عن واقعة التسمم , وإزعاج اللاعبين , والإساءة إلى الجمهور المصرى فى الجزائر , وأيضا الجديد والأخطر أن هذه المقابلة تغطيها قنوات فضائية مصرية كثيرة , وهذه الفضائيات يقدم برامجها رياضيون قدامى وليس إعلاميين , فالإعلامى مسئول ومدرب ويستطيع التحكم فى انفعالاته , بينما الرياضى حماسى مندفع دائم المخاطرة , فعبر الرياضيون المصريون عن انفعالاتهم وعما كان يحدث لهم كلما ذهبوا إلى الجزائر عندما كانوا لاعبين , فانفعلوا بل انفجروا , وشحنوا الشارع المصرى بانفعالهم , وردت الصحافة الجزائرية على هذه الانفعالات بلا مسئولية أيضا , وردت الفضائيات المصرية على ردود الجزائريين , وأصبحت هناك اتهامات متبادلة من الذى بدأ الهجوم والإساءة , لقد اعتقد الطرفان أن هذه المواجهة هى نهاية المطاف وكأنهما لن يتلاقيا بعد ذلك فأتى بكل جهده , وأسقط كل الاعتبارات والثوابت فى العلاقات بين الشعوب , وحزموا حقائب سفر بلا عودة , فباعوا الغد باليوم , بئس البيع وبئس الشراء , ودخلت شبكة الانترنت طرفا فى الموضوع , والعجيب أن ترى الإعلام سواء كان مرئى أم مقروء تراه ينقل رأى فرد على موقع على الانترنت كأنه فى غاية التوثيق والمصداقية , وعندما أصبح كل فرد عادى يمكنه أن ينشر رأيه , فأصبح رأى أى مواطن عادى فى أحد البلدين - حتى ولو كان جاهلا – على موقع ما أصبح هو رأى البلد كاملا عندما تنقله الفضائيات والصحف , ما هذه الفوضى ؟ هل أصبح رأى مواطن جزائرى واحد أن شعب مصر يهود هو رأى كل الشعب الجزائرى ؟ وهل أصبح رأى مواطن مصر واحد أن شعب الجزائر ليس عربى هو رأى كل شعب مصر ؟ ألا يعتبر وجود الاتهامات باليهودية وعدم العروبة مثير للشك والريبة ؟ وهل اللاعبون الجزائريون مقتنعون أن المصريين يقرأون التوراة فى صلاتهم كما قالوا للاعبين المصريين فى السودان ؟ وهل الإعلام المصرى مقتنع بيهودية بعض أفراد الاتحاد الجزائرى كما قالوا؟ لقد اختلط الحابل بالنابل , وأصبح ميزاننا فى شمالنا , وأقحمنا السياسة فى الأمر فاتهم الجزائريون مصر بأنها حاربت مع إسرائيل ضد حماس فى غزة , مذا يريدون ؟ أيريدون القطيعة الكاملة بين بلدين حاربا يوما ما معا , وناضلا يوما ما معا ضد الاستعمار ؟ ألا يعلم الجزائريون أن أنفاق غزة لها طرفان أحدهما فى غزة والآخر فى مصر, ونقل البضائع يتم من مصر إلى غزة , ومصر لاعتبارات كثيرة تغمض عينها عن ذلك فى صمت ؟ وأن مصر هى التى تدير مفاوضات إعادة الشمل بين الفرقاء الفلسطينيين ؟ وأن مصر تدعم القضية الفلسطينية بكل قوة ولكن دون ضجة إعلامية أو متاجرة بالقضية ؟ وأخيرا هل نسى الجزائريون حروب مصر ضد إسرائيل من أجل فلسطين ؟
وأنا أسأل الجزائر لماذا تكرهون مصر ؟ أبسبب المنافسة الرياضية , أم بسبب سياسات تعتقدونها خطأ , أم تنافس على سبق ريادى فى المنطقة؟ ولماذا تخلطون الأوراق ؟
ويبدوا أن الحكومة المصرية كانت عاقلة ومتفهمة فآثرت الصمت وعدم التصعيد لأنها لا تريد أن تفقد بلدا عربيا شقيقا بسبب مباراة كرة قدم , وهذا ما نتمناه من وزير خارجية الجزائر الذى يطالب بالقصاص, القصاص من من ؟ ولماذا ؟ لا أدرى , وربما سندخل فى تحكيم دولى ليحدد من بدأ حتى تسوء الصورة أكثر مما هى عليه . ولكن فى النهاية لا يسعنى إلا أن أقول عاشت مصر , عاشت الجزائر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق