فى بداية العصر الاستعمارى فى القرن السادس عشر و السابع عشر بدأ اليهود فى التوجه للعالم الجديد و خاصة أمريكا الشمالية و مصدرها الرئيسى أسبانيا و البرتغال و قوامها السفارديم , و كانت معاصرة لعصر الآباء المهاجرين و البوريتان و إن كانت محدودة من حيث العدد , ففى اللحظة الأولى التى تم فيها اكتشاف هذه الأرض بدأ تاريخ هجرة اليهود إليها , فقد اصطحب كريستوفر كولومبس بعض اليهود الأسبان و البرتغال من المارانو الذين قبلوا العمادة المسيحية بعد سقوط الأندلس عند اكتشافه للقارة الأمريكية أواخر القرن الخامس عشر , و خلال المائة و خمسين سنة الأولى جرت هجرة المارانو إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة أسبانيا و البرتغال فى أمريكا الجنوبية .
وعلى وجه التفصيل يؤرخ للوجود اليهودى فى أمريكا مع قدوم المستكشف كريستوفر كولمبس , فقد شهد يوم 2 أغسطس 1492م حادث طرد ما يزيد عن 300,000 يهودى من إسبانيا و هو الحديث الذى كان مؤشراً لبداية الأفول لهيبة إسبانيا , و فى اليوم التالى أبحر كولمبس باتجاه الغرب مصطحباً معه جماعة من اليهود .
على ما يبدو أن خطة الملاح أثارت تعاطف اليهود ذوى النفوذ , و يخبرنا كولمبس نفسه بأنه اعتاد الاجتماع و التحدث مع اليهود , و يعتبر أن اليهود كانوا سبباً رئيسياً فى تدشين الرحلة التاريخية .
والرواية السائدة تقول بوجود ثلاث مارانوس [يهود سريين ] تمتعوا بنفوذ عظيم فى البلاط الإسبانى و هم : لويس دو سانتاجيل الذى كان تاجراً مهماً من فالنسيا كما شغل منصب فلاح للضرائب الملكية و قريب له اسمه جابرييل سانشيز كان أمين الخزائن الملكية , و صديقهم رئيس البلاط الملكى خوان كابريرو , هؤلاء الثلاثة عملوا باجتهاد للتأثير على تفكير الملكة إيزابيلا مصورين لها نضوب الخزائن الملكية و احتمال أن يكتشف كولمبس ذهب جزر الإنديز حتى بدت الملكة على أهبة الاستعداد لأن ترهن مجوهراتها لتمويل الرحلة , و تمنى سانتاجيل أن يحصل على إذن يخوله إقراض اللمال بنفسه , وقد كان حيث قدم حوالى 1,700 دوكات أى ما يعادل 20,000 دولار و هو يساوى 160,000 بقيمة المال عام 1920م .
و قد رافق كولمبس فى الرحلة خمسة يهود على الأقل هم : لويس دى توريز المترجم , ماركو الجراح , بيرنال الفيزيقى , الونزو دو لاكال , وجابرييل سانشيز , كما أن الأدوات الفلكية و الخرائط التى استخدمها الملاحون كانت يهودية الأصل .
و قد استقر دى توريز بكوبا و أسس للسيطرة على صناعة الدخان .
كولمبس نفسه أصبح ضحية لمؤامرة دبرها بيرنال طبيب السفينة و تلقى معاملة سيئة ثم انتهى به الأمر إلى السجن كمكافأة له .
بدأ اليهو د ينظرون إلى أمريكا منذ تلك اللحظة على أنها حقل خصب , وبدأت أفواج المهاجرين تتجه بقوة صوب أمريكا الجنوبية و على الأخص البرازيل , و لكن مساهمة اليهود العسكرية فى أحد الخلافات التى نشبت بين البرازيليين و الهولنديين جعلت يهود البرازيل يرتأون ضرورة الهجرة و هو ما فعلوه حيث هاجروا باتجاه إحدى المستعمرات الهولندية أو ما يطلق عليه نيويورك فى البداية لم يلق الوجود اليهودى ترحيباً من عمدة المدينة الهولندى بيتر ستيفسانت الذى اعترض على استقرار اليهود بين السكان المحليين وأمرهم بالرحيل غير أن اليهود كانوا قد أخذوا حذرهم , و حتى يتأكدوا من أنه سيتم استقبالهم حتى و إن لم يكن مرحباً بهم قاموا بشراء أسهم فى الشركات , و تم إبطال أمر ترحيلهم و وافق المديرون على استقبالهم بسبب رأس المال الضخم الذى استثمروه فى أسهم الشركة , و رغم ذلك فقد منعوا من الالتحاق بالخدمة العالمة و لم يسمح لهم بافتتاح محلات البيع بالتجزئة والتى كانت ستقودهم لمجال التجارة الخارجية التى بدأوا فى ممارستها بشكل يقارب الاحتكار بسبب صلاتهم بأوربا .
وفى أمريكا الشمالية تم نقل الساخطين سياسياً و دينياً (البيوريتان ) والمجرمين و الفاشلين فى تحقيق الحراك الاجتماعى فى أوطانهم , و بهدف تحقيق صالح الإنسان الغربى تم نقل سكان إفريقيا إلى الأمريكتين لتحويلهم إلى مادة استعمالية رخيصة , و أسس البوريتان على ساحل نيو إنجلند ما ظنوا أنها سوف تكون لهم أرض كنعان (أورشليم الجديدة ) التى حلموا بها , لقد بعث فى البوريتان من جديد ذلك الخلق الذى تميز به يهود التوراة , فقد تم تشبيه خروج البوريتان و طوائف البروتستانت من أوربا إلى أمريكابخروج بنى إسرائيل من مصر و دخولهم الأرض المقدسة , و غدت التوراة مصدراً لأسمائهم و تشريعاتهم و أسماء مدنهم , و ترسخ فى أذهان المجتمع الأمريكى أنهم الآن على أرض التوراة , و اعتقد البعض أنها الأرض الموعودة و البعض أنها أرض المسيح , و تم ترسيخ أفكار الاعتراض على الكنيسة و الواسطة , فهى تؤمن بحرفية الكتاب المقدس و تفسيره مباشرة و بالتالى تؤمن بوعد نسل إبراهيم بأرض من النيل إلى الفرات , و هكذا اقتربت درجة الموائمة بين اليهود و باقى المهاجرين إلى درجة التطابق , فالبيوريتان توحدوا تماتا بالعبرانيين القدامى , و كان يشار إلى أمريكا بأنها صهيون الجديدة و إلى المستوطنين بأنهم أبناء العهد .
وفى عام 1620م بعد أن سيطر الإنجيل على أذهانهم وقعوا عهد ماى فلور الذى يعتبر العقد الاجتماعى الذى أصبح الأساس التاريخى للفلسفة السياسية الأمريكية .
وفى عام 1654م كانت أول جماعة يهودية تستقر فى نيوأمستردام
( نيويورك فيما بعد) و هى من السفارد المارانو و ةعددهم 23 هاربين من محاكم التفتيش البرتغالية فى البرازيل , و كانوا تجاراً وسط الفكر التجارى الهولندى المشجع , و اختفوا بعد فترة قصيرة لظهور فرص أفضل فى جزر الهند الغربية .
وفى عام 1664م استولى الإنجليز على نيوأمستردام و سميت نيويورك وزاد النشاط التجارى الذى اتجـه إليه اليهـود و أصبح عدد اليهـود عام 1700 م من 200 إلى 300 يهودى .
وعندما قامت حرب الاستقلال الأمريكية عام 1775م كان عدد اليهود قد بلغ الألفين أو الثلاثة , و سمح لهم بالاشتراك مع باقى المريكيين فى العمال العسكرية , و كان معظمهم أثرياء سفارد حتى عام 1720م حين بدأ الأشكيناز الألمان يأتون .
و كانت تجربة الاستيطان فى أمريكا الشمالية تفترض ضرورة إبادة العناصر البشرية الثابتة الواقفة ضد تحقيق المشروع الإمبريالى , فالعقيدة البيوريتانية هى عقيدة المستوطنين البيض فى أمريكا الشمالية مغطاة بديباجات دينية كثيفة حيث اعتبروها صهيون الجديدة أو أرض بلا شعب , و أشار المستوطنون إلى أنفسهم باعتبارهم عبرانيون و السكان الأصليون باعتبارهم كنعانيون أو عماليق , و كلها مصطلحات توراتية للإبادة .
و فى عام 1830م أصدر الرئيس الأمريكى جاكسون قانون ترحيل الهنود حيث جمع خمسين ألفاً من هنود الشيروكى من جورجيا إلى معسكر اعتقال فى أوكلاهوما خلال الشتاء و مات أغلبهم فى الطريق .
و فى عام 1890م خلال عملية ( الركبة الجريحة ) لم يبق من الهنود سوى نصف مليون بعد أن كان عددهم 6,5 مليون عام 1500م حين أتى الإنسان الأبيض و كذلك فى استراليا و البرازيل و نقل 10 مليون إفريقى مقابل كل واحد عشرة ماتوا لأسباب مختلفة .
فبعد مرور قرن من وصول الجماعة الأولى كان هناك ست جماعات من السفارد فى منطقة الاحتـلال البريطـانى بأمريكا الشمالية و كنـدا , و جاءت جماعة الأشكينـاز من لندن و أمستردام .
و هذا هو نمط الاستيطان اليهودى فى الغرب بعد القرن الخامس عشر الميلادى حيث يأتى السفارد يشكلون النواة الأولى ثم يتبعهم الأشكيناز حتى يصبحوا أغلبية , و عملوا بالتجارة و كملاك سفن و متعهدين عسكريين وحرفيين و مقطرى خمور و صابغى جلود و تجار رقيق بنسبة عالية حيث كانت مقبولة اجتماعياً , و قد حملوا معهم ميراثهم الاقتصادى الوظيفى و المهنى الأوربى
و فى عام 1785م صدرت لائحة فرجينيا لتنظيم الحرية الدينية , و كانت أول قانون فى تاريخ اليهود يمنحهم المساواة الكاملة مع باقى الطوائف
و فى عام 1818م دعا الرئيس الأمريكى جون آدمز إلى استعادة اليهود لفلسطين .
وفى عام 1820م وصل عدد اليهود إلى أربعة آلاف يهودى .
وبدأت المرحلة الثانية عام 1840 م عندما خرجت هجرة يهودية من أواسط أوربا خاصة من ألمانيا و فرنسا إلى شمال أمريكا و تزامن هذا مع الثورات والاضطرابات السياسية التاريخية فى أوربا ( ثورتى 1830 م – 1848م ) حيث ذهب 230 ألف يهودى إلى الولايات المتحدة , و تأثر الأمريكيون بالأفكار الصهيونية حتى أن المسيحى الأمريكى وليام بلاك ستون أول من دعا إلى بناء مستوطنات فى أرض فلسطين عام 1878م .
واشترك اليهود فى جنون البحث عن الذهب غرباً إلى ولاية كاليفورنيا , وتفاعل اليهود الألمان مع المجتمع و أصبحوا متحريين فى اتجاهاتهم الثقافية والدينية , و انتقلت حركة اليهودية الإصلاحية التى نشأت فى ألمانيا بعد الثورة الفرنسية إلى أمريكا , و كانت تطالب بالانفتاح على المجتمع و التخلص من طريقة السلوك الانعزالى القديم , و سادت اليهودية الإصلاحية فى أمريكا , واستقروا فى نيوبورت التابعة لرود أيلاند , و أصبحوا كبار ملاك الأراضى ودخلوا مهن الطب و الهندسة و الصحافة و التربية .
والمرحلة الثالثة منذ عام 1880م و هى هجرة غالبية الأشكيناز من شرق أوربا , و هى الهجرة التى أدت إلى انتشار الصهيونية هناك , و عملوا على إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين و إن لم يكن فى نيتهم الهجرة إليه .
و حملت هذه الهجرة أفكار الحسيدية المسيطرة على شرق أوربا إلى الولايات المتحدة .
ومن العوامل التى شجعت اليهود على هذه الهجرة عدم وجود اضطهاد أو فرض قيود , و تمتعوا بالحرية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية , ولأول مرة وجد اليهود أنفسهم متحررين من الضغوط التى كانت تفرض عليهم و برعوا فى الطب و الرياضيات .
وانخدع الرئيس الأمريكى ويلسون بالدعاية الصهيونية إذ كان يظن أن عدد يهود العالم مائة مليون فى حين كانوا 11 مليون .
وفى الفترة من 1885م إلى 1914م دخل الولايات المتحدة حوالى 1,562,000 يهودى منه 119,000 ,1 من روسيا و الباقى من النمسا و رومانيا و المجر .
وقد خرج من روسيا القيصرية بين عامى 1900م و 1913م حوالى 964,000يهودى إلى الولايات المتحدة و 60,000 إلى كندا , و بهذا يدخل تيار شرق أوربا فى الهجرة إلى أمريكا , و تكون أمريكا الشمالية أضخم تجمع لليهود على وجه الأرض , و أصبحت أمريكا اللاتينية عنصر جذب لليهود وخاصة البرازيل و الأرجنتين , و كانت أستراليا و جنوب إفريقيا القطبين الساسيين للهجرة اليهودية بعد الأمريكتين .
وفى عام 1861م عندما قامت الحرب الأهلية كان عدد اليهود فى الولايات المتحدة قد بلغ مائة و خمسين ألفاً , و أدى النمو الاقتصادى فى الشمال إلى ثراء عدد كبير منهم .
وقد تورط اليهود فى عمليات التهريب عبر الخطوط العسكرية بين قوات الشمال والجنوب أثناء الحرب الأهلية مما اضطر يولسس جرانت عام 1862م إلى إصدار أمر بطرد اليهود خلال 24 ساعة من جميع مناطق سلطته العسكرية , وعمل اليهود كمتعهدين عسكريين أثناء تلك الحرب , و كان اندماجهم فى المجتمع الجنوبى أعلى من الشمالى .
وفى عام 1887م أسس بلايستون فى شيكاغو منظمة لحث اليهود على الهجرة إلى فلسطين و وصل عدد المهاجرين بين ( 1881: 1939م) إلى 5،2 مليون مهاجر يهودى , و وصل عدد اليهود فى أمريكا عند منتصف القرن العشرين 5 ملايين .
وقد انضم اليديش للطبقة العاملة و خاصة مصانع الملابس ( ورش العرق ) التى يمتلكها الألمان حتى عام 1914م , و كان عددهم 300 ألف يهودى
و استغلهم الألمان أسوأ استغلال كعمالة رخيصة , و بعد عام 1918م تحول بعض أعضاء الأرستقراطية الألمانية اليهودية من التجارة إلى المهن فاشتغلوا بالقضاء و السياسة و الأعمال المصرفية و المالية و النشر و الطب , وكان هذا يعنى تحرر اليهود من ميراثهم الاقتصادى الأوربى , فلم يضطروا إلى أن يلعبوا دور الجماعة الوظيفية الذى اضطروا إلى الاضطلاع به فى المجتمعات الغربية قبل الثورة الفرنسية , و تغير الهيكل الوظيفى لليهود فى الكساد (1929: 1945م) فلم يعودوا يعملون بالزراعة أو الحرف اليدوية وتركز أثرياء اليهود كسماسرة فى البورصة و السينما و أشكال الترفيه .
وكانت الفاتيكان قد قدمت مذكرة إلى عصبة الأمم عام 1922م تنتقد فيها إقامة وطن لليهود فى فلسطين ,و عندما فتح روزفلت أبواب هجرة اليهود إلى فلسطين عام 1943 م عارضت الفاتيكان إنشاء دولة يهودية و خذرت الولايات المتحدة عام 1944م من الخضوع للمطالب الصهيونية , إلا أن الولايات المتحدة استمرت فى دعم إقامة دولة لليهود فى فلسطين
و بعد قيام الدولة اليهودية فى فلسطين بدأت تتوقف حركة الهجرة اليهودية من أوربا , و تحكمت فيهم آليات المجتمع الأمريكى و الغربى المتاحة لهم , وحصلوا على كل الحقوق التى حصل عليها غيرهم من المستوطنين و لم يكن هناك قطاع اقتصادى يهودى مستقل عن القطاع المسيحى , و لم يعد لهم هرم وظيفى مستقل عن الهرم السائد فى المجتمع .
وفى أمريكا لم يتميز اليهود بأزياء أو لغة أو تعليم فاختفت القيم التقليدية اليهودية التى حملها المهاجرون و سخر أبناؤهم منها و لم يشعر اليهود بأن وطنهم الجديد هو المنفى الذى تتحدث عنه الكتب بل اعتبروه وطنهم النهائى والقومى الوحيد ( كما حدث فى بابل ) فحدث اندماج سريع لليهود بل انصهارهم فقد تزوج كل وجهاء اليهود فى ولاية كونتيكت من غير اليهود , فقد اندمج اليهود فى المجتمع الأمريكى اندماجاً كاملاً متمتعين بكافة الحقوق و الحريات حتى أصبحت أهم كتلة يهودية بين اليهود الغربيين تتمثل فى الأمريكيين اليهود
الذين استوعبوا فى الحضارة الأمريكية تمتماً و لا وجود لهم خارجها و لا يمكن فهم سلوكهم دون الرجوع إليها , و 90% منهم يمثلون جمهور الصهيونية الغربية و يؤثرون فى صنع القرار الأمريكى , فقد استخدموا نفوذهم و نفوذ الإدارة الأمريكية فى مساعدة يهود العالم , و كان لهم دور فى حصول الصهيونية على وعد بلفور و وضع فلسطين تحت الحماية البريطانية فى مؤتمر باريس بعد الحرب العالمية الأولى , و استطاع اليهود أن يجروا أمريكا إلى الدخول فى الحرب العالمية الأولى لمناصرة بريطانيا و حلفائها و قيض اليهود ثمن هذه الخدمات لبريطانيا وعد بلفور .
و مع أن يهود أمريكا المقدر عددهم بما يزيد عن خمسة ملايين لا تقف أمام تحركاتهم أى عقبات مماثلة إلا أنهم لا يمارسون هذه الحرية فى الهجرة إلى إسرائيل , بل أن عدد اليهود الذين هاجروا من إسرائيل إلى أمريكا يزيد على عدد اليهود الذين هاجروا من أمريكا إلى إسرائيل منذ قيام الدولة
أسباب النجاح اليهودى فى أمريكا
1- المجتمع الأمريكى مجتمع استيطانى مكون من فسيفساء إثنية بدون أغلبية متجانسة , فاليهود لسوا الأقلية الإثنية أو الدينية الوحيدة, فهناك الإيطاليين والأيرلنديين و الأسبان و العرب و السلاف ........ و غيرهم .
2- المجتمع الأمريكى منفتح فى الاستثمار و الحراك الاجتماعى الأمر الذى يسر لليهود تحقيق الإمكانية الاقتصادية .
3- لم يمارس المجتمع الأمريكى أى تمييز ضد اليهود باستثناء بعض التحامل فى حرمان اليهود من عضوية النوادى الاجتماعية الأرستقراطية أو التعيين فى بعض المناصب الحيوية ذابت كلها أوائل السبعينيات بفضل هنرى كيسنجر وإرفينج شابيرو .
4- المجتمع الأمريكى حديث بلا تراث مركب و لا تسيطر عليه أية أساطير عرقية أو مفاهيم دينية قديمة , فالرواسب لم تكتسب أية مركزية و لم تضرب بجذور عميقة , فالتعصب الأمريكى يستهدف السود أولاً ثم الكاثوليك و لا يستهدف اليهود إلا بالدرجة الأخيرة .
5- المجتمع الأمريكى هو أكثر المجتمعات علمانية على وجه الأرض , حيث تم فصل الدين و الخلاق عن 90% من حياة الإنسان الأمريكى فوجد اليهود أنفسهم أمام مجتمع منفتح عكس أوربا المثقلة بالأساطير القديمة فاندمجوا بسرعة فلا وجود للجيتو و لا للأزياء الخاصة.
و هناك أسباب ترجع إلى اليهود أنفسهم :
1- فاليهود باعتبارهم أقلية يتسمون بقدر من الحركية أعلى من غيرهم , فهم
يغتنمون فرص التعليم المتاحة و يحققون درجة من الحراك الاجتماعى .
2- لم يعش اليهود فى جيتوات مما يتسبب فى تشتيتهم و إبعادهم عن مراكز
الثقافة اليهودية مما يزيد من اندماجهم و زواجهم المختلط .
3-ابتعاد اليهود عن التراث أو الموروث الثقافى التقليدى أدى إلى زيادة
معدلات الاندماج و شعروا بأزمة هوية و إحساس بالاغتراب ترجم نفسه إلى حاجة نفسية لافتراض وجود ظاهرة معاداة السامية,ووصل الأمر بالأمريكيين اليهود إلى درجة أنهم يخترعون أعداءً لليهود و تقوم المؤسسة الصهيونية بتعميق إحساسهم بالمخاطرة الحقيقية أو الوهمية المحيطة بهم , و تؤكد على الهولوكوست باعتباره موضوعاً أساسياً فيما يسمى بالتاريخ اليهودى وعلى إمكانية قيام أفران الغاز فى بروكلين و نيويورك أوفى كولومبس بأوهايو .
ظهور شخصية الأمريكيين اليهود ( اليهود الجدد )
اليهودى المتدين ينتمى عادة إلى فرقة من الفرق اليهودية الجديدة الإصلاحية أوالمحافظة أو التحديدية التى تؤمن بصياغة مخففة للغاية من اليهودية,وتسمح بوجود حاخامات يهود و زواج مختلط وشواذ وحاخامات شواذ.
واليهودى الجديد قد يصنف نفسه متديناً,و مع هذا لا ينتمى إلى أى من الفرق بل انتماءيأخذ شكل الإيمان ببعض الأفكارالغامضة عن وجودالإله,و بعض المبادئ الأخلاقية العامة الموجودة فى معظم الأديان و هو إيمان منفصل عن الشعائر الدينية الإثنية اليهودية التى لاوجود لها إلا فى احتفالات سنوية لا تتطلب عملية ضبط للذات بل تتحول إلى فرصة للتأكيد على الذات وإدخال قدرمن المتعةعليها فالأمريكان اليهود بهرتهم الحضارة الغربية و حلت محل ثقافتهم اليهودية التقليدية تماماً و لا يعلمون عن مضمون التلمود شيئاً , و تعتبر الإسهامات الثقافية المتميزة ليهود العالم الغربى هى أكبر شاهد على مدى اندماجهم فى هذه الحضارة , فهى إسهامات غربية علمانية بالدرجة الأولى , و قد تكون لها نبرة يهودية حين تتناول موضوعات يهودية بلا تناقض مع الانتماء الأمركى الكامل ,و لا يتفاعل اليهود الجدد مع ثقافة إسرائيل العبرية إلا باعتبارها ثقافة أجنبية يربطهم بها اهتمام خاص , و يعتبر التزاوج المختلط من أهم علامات تآكل الهوية اليهودية وهشاشتها .
وإذا كان اليهود الجدد فى المجتمعات الغربية قد اضطلعوا فى أول الأمر بدور الجماعة الوظيفية الوسطى و أحياناً العميلة المنغلقة على نفسها شأنها شأن الأرمن فى تركيا , إلا أنهم وجدوا أنفسهم فى مجتمعات تهيمن عليها العلمانية بعد القرن التاسع عشر , و هى لا تتبنى أى معايير دينية و لا أخلاقية للحكم على الفرد و لا تحكم على الفرد إلا على أساس كفاءته و نفعه و تكيفه مع قيم المجتمع و خدمة الدولة فى ظل تراجع العقيدة المسيحية , و بعد أن كان على اليهودى الذى يود الاندماج الكامل فى مجتمعه أن يغير دينه إلى المسيحية التى لها رموز مركبة معادية لليهود و اليهودية فكانت تجربة التنصير مريرة , فإن الآن يمكن لليهودى أن يتخلى عن دينه دون الدخول فى آخر ببساطة شديدة , فهذه المجتمعات الجديدة لا ترى اليهودى باعتباره قاتل للمسيح أو عدو الإله , و لا تعتبر اليهود الشعب الشاهد , فلإنسان عندهم هو المنتج و المستهلك الباحث عن المتعة , و ظهرت عقيدة علمانية مثل ( الوجودية والماركسية و النازية و الليبرالية و الاستهلاكية .....) .
__________________________________________
أهم المراجع التى يمكن الرجوع إليها فى الموضوع:
د . جمال حمدان اليهود أنثروبولوجيا
أحمد عثمان تاريخ اليهود
هنرى فورد اليهودى العالمى
د.عبد الوهاب المسيرى الصهيونية و النازية
أمورى دى رينكور القياصرة القادمون
د.عبد الوهاب المسيرى الجماعات الوظيفية
د.عبد الوهاب المسيرى الصهيونية و النازية
د.عبد الجليل شلبى اليهود و اليهودية
محمد سيد طنطاوى بنو إسرائيل فى القرآن والسنة
د. عبد الوهاب المسيرى من هو اليهودى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق