الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

الصهيونية ومخطط سرقة فلسطين

بعد اغتيال قيصر روسيا عام 1881م انتشرت دعوة الهجرة بين الجمعيات و الحركات اليهودية و دفعهم دفعاً إلى ذلك اضطهادات و حملات عرفت باسم البوجروم , و اندفع اليهود إلى الهجرة و تدريب المستوطنين على الزراعة التى اعتبروها العامل المؤسس الأول للوطن , و لذلك عملوا أولاً على إقامة مدرسة زراعية بفلسطين من التبرعات حيث توفر الدعم المالى لحركة التهجير من البارون الفرنسى أدموند دى روتشيلد الذى وظف حتى موته عام 1934م حوالى 150 مليون فرانك ذهبى للاستيطان .
و يطلق اسم اليشوف على الجماعات التى استوطنت فلسطين قبل عام 1882م لأغراض دينية , و كانت تعيش على الصدقات التى تقدمها الأقليات اليهودية فى العالم و لم تكن لها مطامع سياسية و لكن هذه المطامع تواجدت مع الهجرات بعد عام 1881 م حيث جعلت إقامة دولة يهودية هدفاً لها كجماعة قومية .
و كانت أول مستعمرة صهيونية فى فلسطين أقيمت على جبل الكرمل المشرف على حيفا عام 1868 م , و فى عام 1878م خرجت جماعة من يهود القدس المتدينين لحرث الأرض فأسسوا أول جماعة يهودية زراعية فى بلدة ملبس العربية التى صارت فيما بعد بتاح تكفا (عتبة الأمل ) بتمويل من روتشيلد , و فى عام 1882م نزل ثلاثة عشر رجلاً و أمرأة واحدة من سفينة بميناء حيفا يمثلون طلائع حركة أحباء صهيون (البيلو) و أسسوا مستعمرة زراعية قرب عيون قارة جنوبى يافا و عرفت باسم ريشون لوسيون (الأول فى صهيون ) .
و تعتبر الفترة من 1887م إلى 1897م هى فترة تجسيد القومية اليهودية لدفع حركة الاستيطان و ظهور هرتزيل الذى فصل فى الجزء الثانى من كتابه ( الدولة اليهودية ) تفاصيل مشروعه لقيام إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات, و نشطت فى كل أوربا الدعوة للهجرة إلى فلسطين و خاصة لعمال الزراعة والصناعة لتقوم بهما قاعدة الإعاشة و الحركة الاقتصادية التى تشجع على جذب المزيد من موجات الهجرة , و اتخذوا شعاراً للاستيطان يعبر عن الاهتمام بالزراعة و حراستها يتمثل فى (السيف و المحراث ) .

وأسفر مؤتمر بازل عام 1897م الذى جاء فى نهاية هذه الفترة عن عقيدة سياسية صهيونية لها عقيدة سياسية و قومية و استعمارية , و يعتبر هذا المؤتمر مرحلة الإعداد الفعلى لإنشاء دولة يهودية .
وكانت الهجرة الثانية حاسمة فى تاريخ الاستيطان , و قد أتوا من روسيا فى الفترة من 1904م إلى 1914م بعد أحداث كيثنيف عام 1903م فبدلاً من النضال فى الوطن فروا و حملوا إرث الثورة المهزومة والنفسيات المريضة إلى فلسطين ليبشروا بالاشتراكية الصهيونية , فهم صهاينة اشتراكيين هدفهم خلق طبقة عاملة عبرية تكون ركيزة لشعب عامل مسيطر على العمل و الحراسة والدفاع فابتدعوا فكرة الكيبوتس عام 1906م , و أسسوا الأحزاب العمالية ووضعوا أسس الاستيطان العامل , و أسسوا اللغة العبرية و الأدب العبرى الحديث .
وأقاموا مشروعاتهم و مزارعهم التعاونية عن طريق طرد المزارعين الفلسطينيين لخلق اقتصاد يعتمد على نشاط و طبقة عاملة يهودية , و كان روبين و جرانوفسكى يريا أن الإبعاد المنظم للفلسطينيين و إن لم يكن كاملاً هو شرط لابد منه لتحقيق المشروع الصهيونى , و بدأوا بالاستعمار العملى لفلسطين بشراء الأرض و تحويلها من مقفرة إلى آهلة , فقد آثروا شراء الأرض البور غير المزروعة فبنوا فيها مساكن و أنشأوا مزارع و اجتذبوا التجارة , و قد حرم مفتى القدس بيع الأراضى لليهود , و هكذا تم الانتقال من الاستعمار التقليدى المستغل للأيدى الرخيصة من السكان الأصليين إلى الاستيطان البشرى بتدفق المهاجرين و توفير أراضى لهم دون مزاحمة من أحد .
ومن المفاهيم التى تأسست فى تلك الفترة مفهوم العمل العبرى و هو من أهم مفاهيم الصهيونية العمالية و يتجسد فى ثلاث أفكار :
1- اقتحام الأرض : بالاستيلاء على أرض فلسطين و استغلالها بإقامة المستوطنات اليهودية فيها .
2- اقتحام العمل : باعتباره أحد وسائل الرجوع إلى عالم الطهارة والحواس و الطبيعة و إنقاذ اليهود من التشوهات التى تلحق بهم نتيجة وجودهم فى مجتمع الأغيار .
3- اقتحام الإنتاج : بمقاطعة البضائع و المتاجر العربية و شراء المنتج اليهودى فقط .
و فى عام 1908م تأسست الوكالة اليهودية فى يافا لتنشيط الاستيطان , وفى عام 1909م تم بناء تل أبيب بأموال البترول القادمة من آل روتشيلد.
و أثناء الحرب العالمية الولى اشترك اليهود فى القتال بجانب الحلفاء لاكتساب الخبرة القتالية و لتكوين نواة للجيش اليهودى فى فلسطين , و قدم العلماء اليهود مساعدتهم لبريطانيا فى الحرب و تقديم خدماتهم لصناعة الغازات السامة لمحاربة الألمان , و اقنعوا أمريكا بدخول الحرب إلى جانب الحلفاء , وكان وعد بلفور جزء من المقابل , و دعا جابوتنسكى إلى تشكيل وحدة من المتطوعين اليهود للقتال فى صفوف القوات البريطانية , و شكل الكتيبة اليهودية المعروفة باسم سائقى البغال , و وصلت عام 1918م و رفعوا الراية الصهيونية ذات النجمة السداسية و فقرة مزمورية ( إن نسيتك يا أورشليم تنسى يمينى ) .
و فى 2/11/1917م صدر وعد بلفور إلى اللورد روتشيلد ممثل لجنة الرياسة التابعة للمنظمة الصهيونية .
كانت إنجلترا قد وعدت الشريف حسين أن تعترف باستقلال البلاد العربية مقابل قيامه ضد الأتراك , و ثارت المدن الفلسطينية لوعد بلفور و قرروا عام 1919م فى يافا الانضمام إلى سوريا , و فى عام 1920م حدثت اضطرابات بين العرب و اليهود و فرضت على ضوئها الأحكام العرفية و المحاكم العسكرية .
وفى الحقيقة كان النمط البلفورى يرى أن تتخلص أوربا من يهودها عن طريق ترتيب وطن لها خارجها أى ضربهم فى الداخل وحمايتهم فى الخارج .
وهكذا جاء وعد بلفور فى سياق عملية السيطرة الاستعمارية الأوربية على المنطقة إذ كانت اتفاقية سايكس بيكو صهيونية فى أصلها من بعض النواحى مما يؤكد الترابط بين المشروع الصهيونى لاغتصاب فلسطين و المشروعات الرامية إلى تكريس علاقات التبعية و الهيمنة الاستعمارية فى المنطقة استناداً إلى ركائز أساسية ( إسرائيل – التجزئة – التهميش الاقتصادى – اغتصاب فلسطين – قيام إسرائيل 48 ) و هذا تأكيد على ترابط ركيزتى السيطرة الغربية ( إسرائيل – التجزئة ) فواقع التجزئة هو المناخ الأمثل لحماية إسرائيل وترسيخ وجودها.
يعد وعد بلفور الشكل الجديد الذى يحدد العلاقة بين الجماعات اليهودية والحضارة الغربية حيث عرضت الزعامة الصهيونية تهجير فائض أوربا من اليهود إلى فلسطين تخلصاً منهم و لتأسيس قاعدة للاستعمار الغربى على أن يقوم الغرب بحمايتهم فى المقابل , و قد قبل الغرب هذه الزاوية حيث يقوم اليهود بتصريف أمورهم الدينية و الإدارية و السياسية المحلية فى المستوطن الصهيونى باستغلال كامل على أن يتحرك و الجميع فى إطار المصالح الإمبريالية الغربية و هذا الوضع لا يختلف فى أساسياته عن وضع الجماعات اليهودية داخل إطار الإمبراطوريات القديمة, و لذا تم القضاء على المعارضة اليهودية للصهيونية أو كبح جماحها , و استولت الصهيونية على الجماهير اليهودية من خلال الضغط من جهة الدولة الإمبريالية الراعية .
و فى 10/12/1917م يقتحم السير إدمون ألنبى مدينة القدس على رأس الجيش البريطانى , و دخلها من باب الخليل و قال :" الآن انتهت الحروب الصليبية " , و مما يدعوا للعجب أن تحارب أوربا كلها من أجل فلسطين فى الحروب الصليبية و عندما تدخلها بريطانيا تتركها من تلقاء نفسها لليهود , كيف لها أن تفعل ذلك إلا إذا كانت تعلم أنها لن تفقدها إلا شكلاً فقط لأن شكل الاستعمار سيتغير .
وقد استصدرت بريطانيا من الأمير فيصل فى العراق موافقة رسمية على وعد بلفور , و تنشب حركة شعبية ثورية فى مصر و فلسطين و تتزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين .
و كانت الموجة الثالثة من موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين بين عامى 1919م و 1924م و كانت من الطليعيين الذين طبقوا مبادئ العلمانية , وكانوا مناهضين للدين أكثر من هرتزيل , فقد أغلقوا الباب على التدين اليهودى الذى اعتبروه خانقاً و كان زمامه فى أيدى رجال الدين الرجعيين فأباحوا الزواج المختلط و نادوا بفصل الدين عن الدولة , و رأوا الدين مسألة شخصية و التوراة وثيقة تاريخية تدل على أنهم أمة قديمة فى فلسطين .
و كان الصهاينة الشباب يريدون فقط السماح لهم بالعمل فى فلسطين مع جيرانهم العرب من أجل فلسطين و المستقبل و استمرت لفترة الجيرة الحسنة بين قرية يهودية و أخرى عربية , و استمرت هذه المرحلة العضوية حتى أوائل الثلاثينيات مع بداية عصر هتلر , فتحولت الهجرة العضوية الانتقائية إلى هجرة جماعية , و تعلم اليهود من هتلر أن مسار التاريخ القوة و ليس العقل , و دفع هتلر بجموع اليهود إلى الذهاب إلى فلسطين لا بالنخب التى جاءت لمواصلة حياتها و الإعداد للمستقبل .
تحولت فلسطين إلى محمية بريطانية فى مؤتمر سان ريمون 25/4/1920م وفرضت بريطانيا انتدابها على فلسطين واختارت اليهودى البريطانى هربرت صمويل (أليعازر بن مناحم ) كأول مندوب سامى بريطانى فى فلسطين دلالة على النوايا البريطانية فقد كان عضواً قيادياً فى النخبة اليهودية البريطانية .
وكان أول سياسى بريطانى يحاول إقناع زملائه فى حكومة إسكويث (1906-1916م) بفكرة دولة يهودية فى فلسطين , و كان ثانى يهودى بعد دزرائلى يصل لهذا المنصب السامى فى الحكومة البريطانية , و عقب وصوله عام 1920م تصور نفسه منقذاً للشعب اليهودى إذ يقول :" للمرة الأولى منذ هدم الهيكل استطاع المستوطنون أن يروا واحداً من بنى جلدتهم حاكماً فى أرض إسرائيل ".
وخاطبه المنافقون من حوله بـ( أمير إسرائيل ), وعمل على إرساء دعائم دولة يهودية مكتملة (و ليس وطن قومى ) من خلال التدابير التى اتخذها فى المجالات السياسية والاقتصادية و الإدارية , وكان فى نظر العرب إدارة صهيونية تنكرت فى هيئة بريطانية , حيث حظر على العرب حمل السلاح بينما زود المستعمرات اليهودية بالسلاح و جعل اللغة العبرية مع العربية والإنجليزية لغات رسمية , و فتح باب الهجرة لليهود و سمح لهم بشراء الأرض .
اعتاد السير صمويل الحديث عن المملكة اليهودية مستخدماً عادة تعبير استعادة المملكة اليهودية و مما له دلالة أن السكان المحليين كانوا يشيرون إليه باعتباره ملك اليهود .
و صرحت بريطانيا فى دستور 1922م أن فلسطين وطن قومى لليهود ,
و فى 24/7/1922م فرضت عصبة الأمم الانتداب البريطانى على فلسطين ,
و بسبب المقاومة هاجر من فلسطين عام 1925م عدد من اليهود .
و عام 1927م كان عدد الخارجين أكثر من الوافدين , و لكن الفلسطينيين لم يحافظوا على مبادئ المفتى بمنع بيع الأراضى لليهود .
كانت سياسة الانتداب البريطانى و إصرار الصهاينة على شعارات التربة اليهودية و العمل العبرى أهم أسباب المعارضة العربية للصهيونية مع نهاية العشرينيات , و سعى الصهاينة للتوصل إلى اتفاق مع القادة العرب خارج فلسطين , و رأى فيكتور جاكويسون أن فوائد التعاون بين العرب و الصهيونية تفوق بكثير أهمية فلسطين للحركة القومية العربية , و لكن أحداث العشرينيات و الثلاثينيات خيبت آمال الصهاينة فى إنجاح الاتصالات .
وحاول قادة الصهاينة التوفيق بين مواقف الجماعات الصهيونية المتطرفة وبين مطالب عدم انتهاك حقوق السكان غير اليهود , و برغم أن المصالح الطبقية العامة للعمال العرب و اليهود ظلت فكرة سائدة للصهيونية العمالية فى أوساط منظمة بوعالى تسيون و هابوعيل هاتسعير خلال العشرينيات , فقد ظلّ الهستدروت بقيادة بن جوريون مقصوراً على اليهود فظهر ولاؤه الكاذب للاشتراكية , و قوبلت فكرة وجود قومية فلسطينية مستقلة بالإنكار التام , وظهرت فكرة أن التنمية الاقتصادية لفلسطين كنتيجة للاستعمار الصهيونى يمكن أن تعوض العرب الفلسطينيين عن إحباط طموحاتهم القومية .
و الحقيقة أن فلسطين لم تكن أرضاً مقفرة كما كانوا يقولون , ففى عام 1937م كان إنتاج فلسطين من البرتقال الشتوى 15 مليون صندوق .
و قبل عام 1926م كانت الحركة الصهيونية تميل إلى تفسير المقاومة العربية باعتبارها صراعاً دائراً بين ملاك الأراضى الإقطاعيين و العرب , وأكدت الأحداث الدامية عام 1929م أن تحديث فلسطين مسمى صهيونى لم يؤت ثماره المأمولة فى تحييد الطموحات العربية القومية للفلسطينيين, و أرجع بن جوريون سبب الاضطرابات إلى الوعى القومى الفلسطينى الواضح .
و فى 15/ 8/ 1925م قامت ثورة البراق حيث عاود اليهود السيطرة على ساحة الحرم الشريف بالقرب من ساحة حائط المبكى , و جاءت لجنة البراق الإنجليزية التى قررت أنه للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط , و فى عام 1929م قامت ثورة عارمة فى القدس و نابلس و يافا و الخليل ضد الوطن القومى لليهود و ضد الحكومة , و قتل عدد من اليهود و المسلمين و المسيحيين و تدمير 6 مستعمرات يهودية , و صدرت أحكام إعدام ضد العرب , و أرسلت عصبة الأمم لجنة دولية أصدرت قرارها فى مارس عام 1930م و نصت على:
1- الفتنة نتيجة المخاوف العربية من إخضاعهم و إخراجهم من بلادهم .
2- الخوف سيكون سبباً فى اضطرابات أخرى .
3- قدوم عدد من المهاجرين أكثر مما تستطيع البلاد أن تستوعبه .
4- يتوق اليهود إلى إيجاد دولة يهودية فى فلسطين .
5- التدابير التى اتخذتها حكومة فلسطين لحماية حقوق المزارعين العرب لم
تكن بالغاية المطلوبة
6- منحت بريطانيا العراق و الأردن الحكم الذاتى و حرمت فلسطين منه بسبب
وعد بلفور
و يعتقد العرب أن وجود اليهود حجرة عثرة فى سبيل تحقيق أمانيهم القومية.
و فى بداية الثلاثينيات كان الشعار الذى صاغته الصهيونية ( لانحكُم و لا نُحكَم فى أرتس يسرائيل ) إشارة إلى مبدأ التكافؤ و المساواة حيث فهموا المساواة بوصفها وسيلة لغاية محددة هى تأمين النشاط العملى فى فلسطين بهدف تحقيق أغلبية يهودية فى المدى البعيد , و وافقوا على مجلس تشريعى يقوم على أساس التكافؤ و المساواة و العرب شركاء متساوون .
و بعد صعود هتلر و تزايد سيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين حيث ارتفعت نسبة اليهود إلى جملة السكان فى فلسطين من 17% عام 1931م إلى 33% عام 1940م , و بدأ تحقيق أغلبية يهودية من خلال الهجرة محتملاً و واقعياً , وشجعهم عدم قبول العرب بصيغة التكافؤ التى أدركوا أنها تفسح المجال لتسلل المطالب الصهيونية المتطرفة من الباب الخلفى .
و بين عامى 1936 م و 1939م قامت ثورة فلسطينية عارمة ضد المستعمرات الصهيونية و أجهزة الاستعمار البريطانى فى محاولة لقطع الطريق على تهويد بلاده و إقامة قاعدة إمبريالية فى دولة صهيونية ضد الأمة العربية و التى لم يكن الوعى الشعبى فيها قد بلغ درجة وضوح الرؤية للتخطيط الإمبريالى البترولى الصهيونى , فى حين نشط التحالف الإمبريالى الصهيونى مع الرجعية العربية الحاكمة لتمهيد الأجواء لتنفيذ المخطط ,و اعتقد اليهود بأنهم إذا جاءوا إلى فلسطين استسلم أهلها و عاشوا فى جيتو مشابه لما عاشوه فى أوربا .
و بلغ عدد المهاجرين 61,540 عام 1935م و كان عدد الموظفين اليهود فى الحكومة أكبر من العرب (3) .
و بينت انتفاضة ( 1936 – 1939م ) للمنظمات الصهيونية و لقادة اليشوف أن أىّ اتفاق مع الفلسطينيين هو ضرب من الأوهام فى ظل الظروف الراهنة , و تخلى بن جوريون عن فكرة التكافؤ و تحول اتجاه النشاط الصهيونى عندئذ إلى السعى لحماية المغامرة الصهيونية فى مواجهة المقاومة العربية المتصاعدة مع رسوخ الحكم النازى فى ألمانيا و الوضع المحفوف بالمخاطر للتجمعات اليهودية فى أوربا , عندئذ نوقش مشروع نقل السكان للمرة الأولى فى الوكالة اليهودية , كان قبل الحرب العالمية الأولى مجرد اقتراح لإسرائيل زانجويل و ليوبتزكين و أرثر روبين لحل مشكلة الفلاحين المرحلين عن طريق إعادة توطينهم فى البلدان العربية و خطر تواجدهم فى الدولة اليهودية , و اقترحت الوكالة اليهودية الاستفادة من شرق الأردن فى نقل الفلسطينيين بشكل طوعى , و حاول بن جوريون إقناع الأمير عبدالله سراً واللجنة الملكية البريطانية .
وكانت هذه اللجنة الملكية قد جائت لدراسة أسباب انتفاضة العرب و قدمت تقريرها الذى أرجع الانتفاضة إلى رغبة العرب فى الاستقلال و مخاوفهم من إقامة الوطن القومى اليهودى و استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين , و انتقد التقرير سياسة الانتداب و أوصى بإنهائها و تقسيم فلسطين , و وافق معظم زعماء الوكالة اليهودية على التقسيم و رفضه العرب والمتطرفون اليهود , ومنذ عام 1937م بدأت بريطانيا تتجه إلى المناداة بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية و أخرى عربية و منطقة خاضعة لبريطانيا و ذلك لضمان اعتماد كلاً من العرب و اليهود عليها و حتى تمسك زمام الموقف بيدها .
و كان 300 ألف عربى مسلم و نصرانى فى الدولة اليهودية التى أقرتها لجنة 1937م البريطانية
و بعد رفض العرب للتقسيم وصل الصهاينة إلى استنتاج أن تأسيس دولة يهودية مستقلة هو مقدمة منطقية لأى تعايش مع العرب داخل فلسطين و خارجها , وأصبح نقل قطاعات من السكان العرب على الأقل شرطاً ملحاً لقبول صيغة التقسيم , و كان اليهود فى أرض التقسيم 294،000 يهودياً و كان العرب 225,000 عربياً , و لم ينفذ مشروع التقسيم أثناء الحرب العالمية الثانية,
واعتقدت جماعات اليشوف أن الحرب خلقت فرصاً جديدة للتعاون العربى
اليهودى و حين هدد هتلر مصر من الغرب قامت سلطات الاحتلال بترحيل أعداد كبيرة من اليهود إلى فلسطين لحمايتهم من انتقام هتلر عام 1942م , و كانت حركة النازى و أحداث أوربا خلال الحرب العالمية الثانية قد أعطت دفعاً ذاتياً للحركة الصهيونية و حركت اليهود تجاه فلسطين , و نشط اليهود الأمريكيون فى تلك الأثناء و استطاعوا عقد مؤتمر فى مدينة بلتيمور الأمريكية عام 1942م حصلوا فيه على حماية الولايات المتحدة و خرج منه أول إعلان رسمى للأهداف الصهيونية ليطالب بإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين بأسرها دون ذكر لمسألة العرب الفلسطينيين , و طرحت اللجنة التنفيذية الصهيونية المفاهيم التى كانت سائدة فى العشرينات و من بينها الوعد بمنح الأقليات العربية كافة الحقوق المدنية و رفع مستوى معيشتها و منحها إدارة ذاتية رفيعة .
و فى عام 1945م أصدرت لجنة العمل الصهيونية الداخلية قراراً ينص على أن العرب فى الدولة اليهودية المزمع إقامتها سوف يتمتعون بحقوق متساوية فى الميادين السياسية و العامة و الدينية و القومية , و اعترض الصهاينة التصحيحيون على ذلك لأنه يعنى قيام دولة ثنائية القومية , و بحلول عام 1947 م كانت كل الفرق الصهيونية تتفق على أن التعايش مع الفلسطينيين و الدول العربية المجاورة لن يكون ممكناً إلا من موقع القوة و أن الدولة ستستمر فى كونها صهيونية بغرض تجميع المنفيين
كان هدف الصهيونية كحركة سياسية عنصرية هو إقامة دولة يهودية فى فلسطين , و لم تستطع أن تمنع نفسها من أن تحلم بحكم العالم منها و هو لا يتعارض مع فكرة اليهود عن أنفسهم و عن العالم أو الأغيار الجوبيم , و بعد الحرب العالمية الثانية كانت الأجواء مهيأة لتحقيق هذا الحلم , و لم يسمح الصهاينة للفرصة أن تمر هباء ً , فبمجرد أن انسحبت بريطانيا من الميدان .
و تحولت القضية إلى الأمم المتحدة فى نيويورك فى 2/4/1947م وفق خطة
مدبرة لتنفيذ مشروع التقسيم الذى وضعت أسسه قبل بضع سنين , و قررت الهيئة العامة انتداب لجنة خاصة عهد إليها بمهمة التحقيق , و توصلت اللجنة إلى مشروعين :
الأول : أقرته الأقلية و يقضى بتأليف دولة اتحادية .
الثانى : أقرته الأكثرية و يقضى بتقسيم فلسطين .
و بذل الصهاينة و من ورائهم أمريكا قصارى جهودهم و مغرياتهم لاستمالة بعض المندوبين الذين عارضوا مشروع التقسيم داخل المم المتحدة حتى صدر القرار يوم 29/11/1947م , و نص قرار التقسيم على إنهاء الانتداب البريطانى فى وقت لا يتأخر عن اليوم الأول من أغسطس عام 1948م و تأسيس دولتين مستقلتين ؛ عربية و يهودية , و تنشأ فى القدس إدارة دولية خاصة .
و كان عدد سكان فلسطين وقت صدور قرار التقسيم 1,685,000 منهم 1,120,000 عربى و الباقى يهود , و كان على 407,000 عربى أن يعيشوا تحت حكم الدولة اليهودية إذا نفذ القرار , و كان على 10,000 يهودى أن يعيشوا تحت حكم الدولة العربية إذا نفذ القرار .
و كانت مساحة أراضى الدولة اليهودية 15,261,649 دونماً بنسبة 56,47% , و كانت مساحة أراضى الدولة العربية 11,589,870 دونماً بنسبة 42,88% , و كانت مساحة القدس الدولية 175,504 دونماً بنسبة 0,65% من أرض فلسطين .
و قبل انسحاب جيش الانتداب البريطانى من فلسطين هاجم الصهاينة عدداً من القرى و المدن العربية الداخلة فى الدولة العربية المقترحة مثل مدن يافا وعكا و طبرية و صفد , و مع انسحاب الجيش البريطانى فى 15 /5 / 1948م لم تتوان القوات الصهيونية عن توسيع رقعتها باحتلال أرض مخصصة للدولة العربية بعد دخول الجيوش العربية و خاصة فى منطقة النقب , و عملت على تثبيت أقدامها فى المناطق العربية , ففى 29/5/1948م دعا مجلس الأمن إلى هدنة أربعة أسابيع , و استغل الصهاينة الهدنة للحصول على الطائرات الحربية و المدفعية و السيارات المصفحة الثقيلة , و أعاد اليهود فتح طريق القدس وسيطروا على السهل الساحلى و الجليل الأعلى و اللد و الرملة و جزء كبير من وسط فلسطين .

و بعد 10 أيام أصدر مجلس الأمن أوامره بوقف القتال و بدأت الهدنة الثانية يوم 18/7/1948م , و استمرت القوات اليهودية فى نشاطها العسكرى واستولت على بئر السبع يوم 21/10/1948م ثم بيت حانون و منطقة الخليل وأرغموا المصريين على الانسحاب من النقب , و وافقت الأطراف على وقف إطلاق النار يوم 22/10/1948م , و هاجم الصهاينة الأراضى اللبنانية واحتلوا 15 قرية لبنانية , و فى نوفمبر تحركوا تجاه خليج العقبة و فى ديسمبر احتلوا العوجة و بلغوا سيناء و تم توقيع اتفاق الهدنة الذى خرقه الصهاينة يوم 10/2/1949م باحتلال مخفر أم الرشراش التى سميت إيلات فيما بعد .
و فى عام 1949م فرضت الولايات المتحدة على الأمم المتحدة قبول عضوية إسرائيل وفقاً لثلاثة شروط هى :
1 - عدم المساس بوضع القدس .
2 – السماح بعودة العرب الفلسطينيين إلى أراضيهم .
3 – احترام الحدود التى عينها قرار التقسيم .
و كان قرار التقسيم قد صدر فى 29/11/1947م حيث كان اليهود 32% من السكان و لهم 5,6% من الأراضى فأصبحوا يمتلكون 56% من أجود الأراضى , و اعتبر اليهود كل من غادروا ديارهم قبل 1/8/1948م فى عداد الغائبين و تم مصادرة ثلثى الأراضى التى كان يملكها العرب و هى تقدر بـ70 ألف هكتار من بين 110 ألف هكتار .
و برغم أن نشاط الصهيونية الاستعمارى من طبيعته تصدير التناقض إلى العرب فإنه بفضل نضال عرب فلسطين لم تستطع هذه المؤسسات إلا الحصول على 12% من الأراضى المسجلة باسم العرب قبل حرب 1948م
و يجب ملاحظة صلة الحروب العالمية بزرع هذا الكيان , فالحرب العالمية الأولى أنجبت وعد بلفور , و الحرب العالمية الثانية أنتجت أركان الدولة التى لم يبق لها سوى الإعلان الذى تم فى عام 1948م .
يمكن التواصل وتبادل الآراء على alraia11@yahoo.com
_________________________________
(1) د. سحر الهنيدى مجلة العربى العدد 548
(2) د . رشاد الشامى إشكالية الهوية اليهودية
(3) روجيه جارودى الأساطير المؤسسة
(4) محمد هشام الفلسطينيون عبر الخط الأخضر
(5) د.عبد الوهاب المسيرى الصهيونية و العنف
(6) رينارد فايمر الفلسطينيون عبر الخط الأخضر
(7) د . عبد الجليل شلبى اليهود و اليهودية
(8) روجيه جارودى الأساطير المؤسسة
(9) لطفى الخولى مستقبل الصراع العربى الإسرائيلى
(10) طاهر شاش التطرف اليهودى
(11) خالد محمد غازى القدس سيرة مدينة
(12) د . عبد الوهاب المسيرى الجماعات الوظيفية
(14) ماجد الكيّالى المشروع الشرق أوسطى
(15) إبراهيم سعد الدين العرب و إسرائيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق