لم تولد الصهيونية بمعزل عن الأحداث الأوربية المتلاحقة ولا بمعزل عن التغيرات الداخلية فى الجماعات اليهودية , فبعد موت شبتاى زيفى ظهر تلميذه فرانك فى بولندا ليقود انشقاقاً خطيراً ضد أحبار التلمود معلناً أن التلمود يمثل الكذب و الخداع , و أن يسوع هو المسيح , و دعا أتباعه إلى قبول عمادة الكنيسة , فاعتنق آلاف منهم الديانة المسيحية .
و فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر قامت حركة الحسيديم فى بولندا و انتزعت القيادة من الأحبار , و غيرت من طبيعة الاعتقادات اليهودية , فلم يعد الحسيديم ينتظرون مجئ المسيح تاريخياً و إنما الخلاص يتم للأفراد الذين يستطيعون بسبب صلاتهم و تعبدهم إدراك النور السماوى , واستمرت قيادة الحسيديم إلى أن ظهرت الحركة الصهيونية التى تمكنت فى بداية القرن العشرين من فرض قيادتها على غالبية الجماعات اليهودية فى العالم , ففكر الحسيديم جعلهم أقرب للمسيحية من أحبار اليهود , و ظهر على الأفق فى منتصف القرن التاسع عشر أن الديانة اليهودية توشك أن تذوب و تتلاشى داخل الكيانات المسيحية و الإسلامية السائدة فى العالم , فإذا لم يكن اليهود شعباً مختاراً فما الداعى للعزلة عن باقى البشر , و كان هذا هو الوقت الذى ظهرت فيه الحركة الصهيونية لإنقاذ الموقف عندما أصبحت فكرة الشعب المختار وحدها هى جوهر الاعتقاد عند الحركة الجديدة .
وواكب هذا التغير داخل الجماعات اليهودية ظهور الرأسمالية المحلية فى شرق أوربا مع بداية القرن التاسع عشر ثم ظهور الدولة القومية و النظام المصرفى الحديث , و وجد أعضاء الجماعات اليهودية أنفسهم بلا دور اقتصادى أو إنتاجى و بالتالى كانوا عرضة للاضطهاد مما أدى إلى زيادة حدة التفاقم للمسألة اليهودية و زيادة هجرتهم إلى الغرب الأوربى , و قد بذلت الحكومة الروسية و النمساوية جهوداً شتى لتحويل اليهود إلى قطاع اقتصادى منتج عن طريق فتح أبواب مهنة الزراعة أمامهم ,و ساهم مليونيرات الغرب من اليهود مثل هيرش و روتشيلد فى هذه الجهود لأن هجرة اليهود إلى غرب أوربا كانت تسبب لهم الحرج الشديد , كما كانت تهدد مواقعهم الاقتصادية والحضارية التى اكتسبوها عن طريق الاندماج .
وبدأت روسيا عملية تحديث اليهود و التى لم يكتب لها النجاح بسبب فشل الحكومة فى توفير الأرض الزراعية لليهود , و امتلأت المدن الروسية بملايين اليهود الذين يعيشون تحت ظروف اقتصادية قاسية حيث أن استجابة اليهود لتعثر التحديث قد تمثلت فى الهجرة الداخلية حتى عام 1870م ثم تحولت إلى الهجرة الخارجية والانضمام إلى المنظمات الثورية , ولجأت روسيا إلى القمع,وربطت عملية إعتاق اليهود بمدى تحولهم إلى عناصر نافعة منتجة, وكانت عملية اغتيال ألكسندر الثانى عام 1881م و هو قيصر التحديث على يد شباب ثورى بينهم يهودية ملحدة تعبيراً عن المشاكل البنيوية العميقة فى روسيا, وأعلن فشل سياسة التسامح مع اليهود , و أصدرت قوانين مايو التى طرد اليهود بموجبها من موسكو عام 1891م , و طرحت المسألة اليهودية على العالم الغربى بأسره فروسيا بدأت تصدر فائضها اليهودى إلى الجميع .
وقبلها كانت أوربا قد حلت مشكلة أعضاء الجماعات اليهودية منذ القرون الوسطى عن طريق طرد اليهود من انجلترا و فرنسا و ألمانيا و بعض أجزاء إيطاليا إلى أن استقر بهم المقام فى بولندا و روسيا , و من بقى من اليهود فى وسط و غرب أوربا و من جاءها من السفارديم و المارانو بظهور الرأسمالية القومية هم الذين عاصروا فترة علمنة الحضارة الغربية و سيادة الفلسفات المادية النفعية التى حكمت على اليهود من منظور المنفعة أواخر القرن الثامن عشر , و كان الدور اليهودى قبل تلك الفترة فى المجتمعات الغربية التقليدية حيوياً إذ اضطلع أعضاء الجماعات اليهودية بوظيفة أساسية فى المجتمع رغم أنها لم تكن جزءاً من العملية الإنتاجية الأساسية , و لكن بعد فترة الرأسمالية و العلمنة اهتزت الانعزالية و ظهرت حركة التنوير اليهودية الإصلاحية اللتان كانتا تحاولان تشجيع اليهود على الاندماج مع الشعوب ثم ظهرت الصهيونية , يقول اللورد يوستاس بيرسى :
" إن كلاً من الليبرالية و القومية فتحتا أبواب الجيتوهات على مصراعيها وقدمت حقوق مواطنة مساوية لليهود , انتقل اليهودى إلى داخل العالم الغربى وأدرك قوته و مجده , فاستغله و تمتع به و وضع يديه على المراكز العصبية الرئيسية لتك الحضارة و أدارها و استغلها ."
و حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر لم تكن غرب أوربا و أمريكا تضم جماعات يهودية كبيرة .
وفى روسيا بعد تعثر التحديث كان هناك أكثر من فكر سياسى يهودى يهدف إلى الخلاص من المعاناة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و أهمها :
1- جماعات دينية تدعو إلى انتظار المسيح المنتظر (تقوم على فكرة الماشيح التى تقوم على أن ملك سيأتى من نسل داود ليخلص اليهود من الأغيار و يعود بهم إلى وطنهم القومى و يقف بذلك شاهداً على عظمة اليهود و على ضعة الآخرين .
2- جماعات تتبنى الاندماج و الذوبان فى المجتمعات الأوربية القائمة ,و قد بذلت روسيا العديد من المحاولات لإدماج اليهود و توحيدهم داخلها و هناك محاولات قام بها اليهود أنفسهم للإندماج , غير أنه على ما يبدو أن القدر قد أحصرهم فى قوميتهم المستمر.
3 - جماعات تدعو للهجرة من المجتمعات العنصرية إلى المجتمعات الليبرالية حيث لا توجد مشاعر اللاسامية حيث تبنى المعادون لليهود مفاهيم عدم منفعة اليهود و هامشيتهم , و ضرورة التخلص منهم خلال القرن التاسع عشر .
4- جماعات تدعو للإنخراط فى الحركات الثورية على اعتبار أن الثورة الجذرية هى الخلاص للجاليات اليهودية , و هى ناتجة عن فشل التحديث .
5- الصهيونية التى ترى أن الخروج من المأزق يكمن فى العبور على جسر الدعوة القومية اليهودية .
و يعد تيودور هرتزل أحد أعظم اليهود الذين قدموا شروحات تميزت ببعد النظر فيما يخص فلسفة الوجود اليهودى و لم يخالطه شك فى وجود الأمة اليهودية .
و يحاول ليون سايمون فى دراساته إثبات أن الديانة اليهودية قومية و أن القومية جزء لا يتجزأ من الديانة .
فقد أشار عليزر بن يهوذا (1858-1922م) فى مقاله (المسألة الملتهبة ) إلى الأوطان القومية فى أوربا و أحقية اليهود فى وطن قومى و استعمال العبرية , و كان ليوبنسكر (1821- 1891م ) أول من دعا إلى اتخاذ فلسطين وطناً قومياً سنة 1882م , و وصف أعداء الساميين بأنهم مرض فى المجتمع مسيئ إلى الحياة كلها , و لقيت فكرته هوى من اليهود المتشددين و تأسست جماعة بيلو و أصبحوا آباء المستوطنين فى فلسطين و واضعى نواة الصهيونية المستعمرة و فى عام 1883م , و تبنى أوموند دى روتشيلد فكرة الإنفاق على الإستيطان لجماعة بيلو .
و فى عام 1882م ألف هيكلر الجرمانى كتاب ( إرجاع اليهود إلى فلسطين حسب أقوال الأنبياء ) .
والقليل من يهود روسيا و شرق أوربا هم الذين توجهوا إلى فلسطين بينما الأعداد الكبيرة من يهود اليديشية المتخلفين هى التى هاجرت إلى ألمانيا والنمسا, وحينما ضما أجزاء من بولندا انتقل اليديش إلى المدن الألمانية والنمساوية , و هؤلاء المهاجرون يشكلون التربة الخصبة للأفكار الصهيونية ويفرضون على يهود البلاد تبنى الصهيونية التوطينية حلاً لمشكلات اللاجئين .
و تبلورت الفكرة على يد هرتزل عام 1897 م و هو الذى تحول عام 1896م عن دعوته إلى الذوبان اليهودى فى المجتمعات الأوربية حيث كان مندمجاً منصهراً فى هذه المجتمعات و لكنه أصبح مهدداً بفقدان موقعه الطبقى ومكانته الاجتماعية و انتمائه الحضارى بسبب وفود الآلاف من يهود اليديشية, و شكل المنظمة الصهيونية التى تبنت البرنامج الصهيونى الذى جاء على نسق المؤسسات و البرامج القومية الإستعمارية المعروفة عندئذ .
لذا نجدها قد حملت معطيات القرن التاسع عشر الأوربى و حاجات التوسع الإمبريالى للرأسماليات الغربية و نقرأ فى مضامينها تأثير القوميات الإمبريالية الشوفينية العنصرية المميزة للوجود الأقلوى اليهودى فى المجتمعات الأوربية فأفرزت اللاسامية التى اتسمت بالاضطهاد و النفى للآخر و خاصة أنها الفترة التى ازدهر فيها الفكر المادى النفعى و ما نجم عنه من عنصرية أوربية تجاه الآخر .
والصهيونية نسبة إلى جبل صهيون جنوب بيت المقدس , و هو جبل مقدس عند اليهود لاعتقادهم بأن الرب يسكن فيه , و هدفها تحقيق الطموح اليهودى الذى يرمى إلى الاستيلاء على فلسطين و جعلها مركزاً للدولة اليهودية و إعادة بناء الهيكل .
والتى تعتنق فكرة العودة إلى فلسطين بعد ظهور المسيح المخلص الذى يقود الشعب إلى صهيون هى الصهيونية الطوباوية أو الصوفية , أما صهيونية القرن التاسع عشر تسمى الصهيونية السياسية تمييزاً لها عن الصوفية التى زرعت بذورها يوم دكت مملكة إسرائيل على أيدى الأشوريين عام 721ق.م ثم نمت بعد خراب أورشليم على يد نبوخذنصر عام 586ق.م , و الصهيونى هو اليهودى الذى يؤثر المعيشة فى فلسطين على غيرها من البلاد , و هو كذلك من يساعد اليهود مادياً و أدبياً ليقيموا فى فلسطين .
و بهذا تتميز الصهيونية الاستيطانية و التوطينية , فالصهيونية الاستيطانية تهدف إلى نقل اليهود من كل أنحاء أوربا أولاً ثم العالم ثانياً إلى فلسطين حيث يتم إبادة سكانها الأصليين أو طردهم أو استبعادهم .
بينما الصهيونية التوطينية أو صهيونية الغوث و المعونة و الهوية تترجم نفسها إ لى تبرعات مالية للمساعدة فى توطين اليهود الآخرين و إلى تأييد و ضغط سياسى من أجل اليهود .
فقد تلقفت الحركة الصهيونية الأسطورة الاسترجاعية و حولتها من أسطورة بروتستانتية إلى أسطورة يهودية فالعقيدة الاسترجاعية تجعل من اليهود جماعة استيطانية .
فالصهيونية ترى الشعب اليهودى يقف على هامش التاريخ غير اليهودى ولا يساهم فيه كثيراً , وتحولت إلى فكرة الشعب العضوى المنبوذ لذا لا يمكن تحقيق القومية اليهودية فى أوربا و إنما فى فلسطين , وكان يشار إلى اليهود باعتبارهم مادة بشرية يمكنه الاضطلاع بدور ريادى حدودى مفيد للحضارة الغربية
وهرتزل فى صياغته للصهيونية يؤكد أن الشعب العضوى المنبوذ لا ينبذ بسبب أنه شعب مقدس مكروه من الأغيار فى كل مكان و زمان بسبب قداسته أو بسبب تركيبه الطبقى غير السوى أو لأن هويته الإثنية العضوية لا يمكن أن تتحقق إلا فى أرضه أو لأنه شعب ليبرالى عادى يود أن يكون مثل كل الشعوب و خصوصاً الشعوب الغربية.
والهدف من النقل إصلاح الشخصية اليهودية و تطبيعها و تأسيس دولة اشتراكية أو استجابة للحلم الأزلى فى العودة أو تأسيس دولة علمانية تكون مركز روحى و ثقافى ليهود العالم و بهذا يريد هرتزل تحويل اليهود من طبقة إلى أمة , وعمل على وضع صيغة تجذب الصهاينة الإثنيين العلمانيين والدينيين و العماليين و السياسيين بالإضافة إلى العواصم الغربية و الصهاينة التوطينيين و العلمانيين الذين لا تهمهم الإثنية الثقافية , و هؤلاء العلمانيون اللادينيون أعادوا تعريف الهوية اليهودية تعريفاً يؤكد الجانب القومى بدون الدينى إلا بقدر التعبير عن القومية اليهودية و ذلك مقابل التيار الدينى داخل الحركة الصهيونية الذى يريد الدين و القومية شيء واحد , و أن الهوية اليهودية هوية قومية دينية .
وقد أجاد هرتزل التعامل مع كل الفرقاء داخل الحركة الصهيونية و التى عملت على إعادة تعريف اليهودى تعريفاً يتفق مع وضعهم الجديد فى الغرب بعد ظهور الدولة القومية العلمانية و عصر الإعتاق و سقوط الجيتو .
و ترى الصهيونية أن وجود اليهودى خارج فلسطين فى الشتات حالة شاذة تسبب شذوذاً للشخصية اليهودية فيقول نحمين سيركين : " الحياة فى المنفى خلقت نوعاً من عدم الاتزان فى شخصية اليهودى " .
والتطبيع عند الصهيونية هو العملية التى يتخلص اليهودى من خلالها من أرض المنفى أو الشتات خارج الوطن القومى و التى تتمثل فى استجداء الأغيار و الاعتماد السياسى عليهم و ازدواج الولاء فعليهم أن يتحولوا إلى شعب ينتج و يسيطر على مراحل العملية الإنتاجية و مصيره الاقتصادى , و طرح المطلق الدينى مثل الشعب المختار و الأوامر و النواهى .
وكان للصهيونية العمالية الاشتراكية دور كبير فى عملية التطبيع حيث ترى أن تحريم ممارسة اليهود للزراعة فى شرق أوربا و روسيا أدى إلى معيشتهم فى المدن بصفة أساسية كما أن العمال حرم عليهم القيام بكثير من الحرف فأصبحوا ينتمون إلى البروليتاريا الفقيرة , أما أغنياء اليهود فيشتغلون بالتجارة و الربا , و بصفة عامة أصبح دور اليهود فى المجتمعات المختلفة هامشياً والحل هو إقامة دولة يهودية .
لقد قام المفكرون الاشتراكيون بتجريد اليهود من سياقهم و نظروا إليهم بوصفهم عنصراً هامشياً غير منتج يتركز فى التجارة و الأعمال المالية و يوجد علاقة بين اليهود و الرأسمالية فهم جماعة بشرية غير سوية و غير طبيعية والحل ضرورة تخلصهم من هويتهم المتخلفة الخسيسة الأنانية (البرجوازية أو الرأسمالية ) و تحويلهم إلى عناصر منتجة و دمجهم فى المجتمع أو تأكيد هويتهم و توطينهم فى فلسطين داخل مجتمع تعاونى اشتراكى و هذا هو الحل الصهيونى الذى يقوم على افتراض أن الجماعات اليهودية عنصر حركى مستقل بذاته غير متجذر فى الحضارة الغربية يستحق البقاء داخلها إن كان نافعاً و يجب التخلص منه إن انتهى النفع عن طريق نقله للخارج و النقل يتضمن خلق وظيفة جديدة له .
لقد كانت الصهيونية نتاج الردة الفكرية الرجعية التى أعقبت إخفاق حركة الاستنارة اليهودية (الهسكلاه) و هى تمثل فى الوقت نفسه رد الفعل السلبى لفشل الرأسماليات الأوربية فى حل المسألة اليهودية فى بلدانها عن طريق وضع اليهود على قدم المساواة مع غيرهم من مواطنى هذه البلدان و تقضى على مظاهر تخلفهم و تدينهم الاجتماعى و الثقافى من ثم فالصهيونية هى التجسيد الحى للهزيمة .
ورغم أن الصهيونية قدمت نفسها باعتبارها الحل الأمثل للمسألة اليهودية و المنقذ من الاضطهاد لجموع اليهود فى العالم إلا أنها لم تحاول تجاوز الأوضاع التى أدت إلى ما يعرف بالمسألة اليهودية و اقتراح حلول جذرية لها بل كان
الحل الذى قدمته متسقاً تماماً مع طبيعتهاً الانهزامية , فالاضطهاد الذى يتعرض له اليهود فى أوربا لا يواجه بالثورة عليه بل بإخلاء هذه المجتمعات من اليهود
عن طريق تهجيرهم و توطينهم فى إحدى المناطق خارج أوربا و انعزالية الجيتو و تخلفه لا يحل بانفتاح اليهود على الحياة الإنسانية الطبيعية بكل رحابتها وباندماجهم فى الشعوب التى يعيشون بينها بل يتمثل الحل فى خلق جيتو أكبر حجماً و أشد عزلة و عدوانية يسمى الدولة اليهودية .
أما تدهور الأحوال المعيشية لفقراء اليهود فلا يجب أن يدفعهم إلى الانخراط فى النضال من أجل اجتثاث جذور الاستغلال الطبقى و الاجتماعى الذى هو أساس بؤسهم بل على النقيض من ذلك تدعوهم الصهيونية لممارسة هذا الاستغلال ضد شعب آخر .
وترى الصهيونية التصحيحية أن معاداة اليهود و فشل الاندماج هما اللذان أديا إلى ظهور حركة القومية اليهودية , فالمسألة اليهودية هى مشكلة الفائض السكانى غير القادر على الاندماج فى أى مجتمع و ليست مشكلة اليهودية كدين.
و هرتزل يؤكد أن أعداء اليهود فى أوربا هم الذين جعلوا اليهود شعباً واحداً بدون موافقتهم و رغم أنفهم .
واستطاعت الحركة الصهيونية تحويل المقولة الدينية أرض إسرائيل (آرتس يسرائيل ) إلى مفهوم سياسى بادعاء أن هدف المشروع الصهيونى هو استعادة أرض إسرائيل التى كانت مستقراً للشعب اليهودى , و أصبحت الصهيونية هى الجانب السياسى و القومى لليهودية , و لكنها بداية جعلت لفظ يهودى مقتصراً على اليهود البيض الأشكيناز , و محاولات الاستيطان الصهيونية كانت تستهدف أساساً تجنيد اليهود الغربيين لا الشرقيين رغم أن تجنيد الشرقيين فى المستعمرات الزراعية كان أكثر سهولة و يسراً .
وسيطر صغار المفكرين الصهاينة الذين لا يتمتعون بأية آفاق فكرية فسيحة أو رؤى تاريخية عميقة على قيادة الجماعات اليهودية ,و أحجم معظم كبار المفكرين اليهود عن الانضمام إلى الحركة الصهيونية .
وتبقى الصهيونية التصحيحية أكثر تيارات الصهيونية واقعية و اتساقاً مع جوهر الفكرة الصهيونية حيث نادى جابوتنسكى بتثبيت دعائم الاستعمار الاستيطانى فى فلسطين عن طريق الهجرة التى تستند إلى دعم قوة استعمارية كبرى , و نادى بتأسيس تنظيمات عسكرية صهيونية لتأسيس الدولة بالقوة , وأصر على الدعم الاستعمارى للمشروع الصهيونى و الاعتماد على الإرهاب لفرض الأمر الواقع .
ويؤخذ على الزعامة الصهيونية أنه لم يكن واضحاً أمامهم ما ينبغى أن تكون عليه طبيعة الدولة الإسرائيلية , فقد نظر القادة هيرتزل و جابوتنسكى
وبن جوريون إلى الديانة اليهودية نظرة عداء بدرجات متفاوتة و جمعهم أن الدولة ستكون علمانية فما أرادوا إنشاء طائفة دينية يهودية إقليمية ذات استقلال سياسى بل كان إما إقامة أمة طبيعية كسائر الشعوب أو هجرة جميع اليهود إلى فلسطين أو فصل اليهود فى فلسطين عن الشتات اليهودى و تحويل الدولة العبرية إلى وحدة قومية منفصلة و مميزة تماماً , و لكن فكرة أمة كسائر الأمم تلاشت بسبب ارتباط الأحزان الصهيونية بمصادر التمويل التابعة للشتات .
و آمنت الصهيونية بالتقسيم الحلولى لليهود إلى يهود يقفون داخل دائرة القداسة و أغيار يقفون خارجها , فهو يضع اليهودى فوق التاريخ و خارج الزمان , ويرون كل شيء على أنه مؤامرة موجهة ضدهم أو على أنهم موظفون على خدمته فيصبح كل البشر أشرار مدنسين يستحيل الدخول معهم فى علاقة ويصبح من الضرورى إقامة أسوار عالية تفصل بين من هم داخل دائرة القداسة و من هم خارجها لتعويض النقص الذى شعرت به فى المجتمع الإقطاعى الأوربى فإنها نظرة استعلاء إلى مجتمع الأغلبية , فاليهود فى رأيهم شعب مختلف عن بقية الشعوب التى يمكن الاندماج فيها .
وهناك تقسيم صهيونى آخر يقتصر على الجماعات اليهودية و ينكر واقعها الحضارى التركيبى التجميعى و يطرح فكرة الهوية اليهودية العالمية الواحدة ومن ثم تتم عملية تسمية و تصنيف الواقع من ذلك المنظور التوحيدى فهناك
مصطلحات ( يهود الدياسبورا – يهود المنفى – الشعب اليهودى ) و هى
جميعها تفترض الوحدة و التجانس بين اليهود و لكن يتضح العكس بمجرد وصولهم إلى إسرائيل حيث يصنفون حسب أماكن قدومهم و تتحدد مكانتهم حسب ذلك .
وعن الصهيونية يقول أرنولد توينبى أنها ظاهرة أثبتت أن الخصائص اليهودية التى طالما ألصقها المسيحيون منذ زمن بعيد باليهود المقيمين بين ظهرانيهم هى حصيلة الملابسات الخاصة التى صاحبت تشتتهم فى أنحاء العالم الغربى و لا ترجع إلى تلك الخصائص إلى أية خلة عنصرية خاصة موروثة , و من تناقض الصهيونية أنها تبذل جهدها الشيطانى لتشييد صرح جماعة يهودية لحماً و دماً برحت تعمل بنفس القدر من النشاط لانخراط اليهود فى عالم غربى مثلما دأب اليهودى الفرد على التطلع إلى أن يصبح برجوازياً غربياً يهودى العقيدة , برجوازياً لا دينياً , و هى بنبذها تقاليد التشتت اليهودى جملة لتقيم أمة جديدة مستقرة على الأرض على غرار ما فعله الرواد البروتستانت المحدثون من المسيحيين الذين أقاموا الولايات المتحدة الأمريكية و اتحاد جنوب إفريقيا وأستراليا و نيوزيلند , فهى بهذا تريد دمج اليهود فى وسط أممى .
___________________________________________
أهم المراجع التى يمكن الرجوع إليها :
أحمد عثمان تاريخ اليهود
د.عبد الوهاب المسيرى الصهيونية والعنف
د.عبد الوهاب المسيرى الجماعات الوظيفية
هنرى فورد اليهودى العالمى
د.عبد الوهاب المسيرى من هو اليهودى
د.عبد الجليل شلبى اليهود واليهودية
د.محمد سيد طنطاوى بنو إسرائيل فى القرآن والسنة
طاهر شلش التطرف الإسرائيلى
محمد هشام الفلسطينيون عبر الخط الأخضر
د.رشاد الشامى إشكالية الهوية فى إسرائيل
د.مصطفى النشار فلاسفة أيقظوا العالم
أود أن أعرب عن امتناني للسيد بنيامين لي على كل ما قدمه من مساعدة في تأمين قرضنا لمنزلنا الجديد هنا في Fruitland. لقد كنت منظمًا وشاملًا ومحترفًا ، فضلاً عن كونك لطيفًا مما أحدث كل الفرق في تفاعلاتنا معك. نضع ثقتنا فيك وأنت بالتأكيد جئت من أجلنا. نشكرك على سعة صدرك وكذلك معاملتنا كأشخاص وليس مجرد عملاء لقرض سكني. أنت تقف فوق البقية ، أود أن أوصي أي شخص هنا يبحث عن قرض أو مستثمرين بالاتصال بالسيد بنجامين لي وموظفيه لأنهم أناس طيبون ذو قلب لطيف ، السيد بنيامين لي ، اتصل بالبريد الإلكتروني: 247officedept@gmail.com
ردحذفمع تحياتي،
جون بيرلي! قبعاتنا لك !! "